اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١))
لما ذكر سبحانه الفلك أتبعه بذكر نوح ، لأنه أوّل من صنعه ، وذكر ما صنعه قوم نوح معه بسبب إهمالهم للتفكر في مخلوقات الله سبحانه والتذكر لنعمه عليهم ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) وفي ذلك تعزية لرسول الله ، وتسلية له ببيان أنّ قوم غيره من الأنبياء كانوا يصنعون مع أنبيائهم ما يصنعه قومه معه ، واللام جواب قسم محذوف (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا كما يستفاد من الآيات الآخرة ، وجملة (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) واقعة موقع التعليل لما قبلها ، وارتفاع «غيره» لكونه وصفا لإله على المحل ، لأنه مبتدأ خبره «لكم» ، أي : ما لكم في الوجود إله غيره سبحانه ، وقرئ بالجرّ اعتبارا بلفظ إله (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي أفلا تخافون أن تتركوا عبادة ربكم الذي لا يستحقّ العبادة غيره ، وليس لكم إله سواه. وقيل : المعنى : أفلا تخافون أن يرفع عنكم ما خوّلكم من النعم ويسلبها عنكم. وقيل : المعنى : أفلا تقون أنفسكم عذابه الذي تقتضيه ذنوبكم؟ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي : قال أشراف قومه الذين كفروا به : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : من جنسكم في البشرية ، لا فرق بينكم وبينه (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أي : يطلب الفضل عليكم بأن يسودكم حتى تكونوا تابعين له منقادين لأمره ، ثم صرّحوا بأن البشر لا يكون رسولا ، فقالوا : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي : لو شاء الله إرسال رسول لأرسل ملائكة ، وإنّما عبّر بالإنزال عن الإرسال ؛ لأن إرسالهم إلى العباد يستلزم نزولهم إليهم (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي : بمثل دعوى هذا المدّعى للنبوّة من البشر ، أو بمثل كلامه ، وهو الأمر بعبادة الله وحده ، أو ما سمعنا ببشر يدّعي هذه الدعوى في آبائنا الأوّلين ، أي : في الأمم الماضية قبل هذا. وقيل : الباء في «بهذا» زائدة ، أي : ما سمعنا هذا كائنا في الماضين ، قالوا هذا اعتمادا منهم على التقليد واعتصاما بحبله ، ولم يقنعوا بذلك حتى ضمّوا إليه الكذب البحت ، والبهت الصراح ، فقالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي : جنون لا يدري ما يقول (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي : انتظروا به حتى يستبين أمره ، بأن يفيق من جنونه فيترك هذه الدعوى ، أو حتى يموت فتستريحوا منه. قال الفرّاء : ليس يريد بالحين هنا وقتا بعينه ، إنما هو كقولهم :