(سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ـ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١) و : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) ، وعند النزول : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : (قَرْناً) قال : أمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) قال : بعيد بعيد. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) قال : جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر.
(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))
قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد إهلاكهم (قُرُوناً آخَرِينَ) قيل : هم قوم صالح ولوط وشعيب كما وردت قصتهم على هذا الترتيب في الأعراف وهود ، وقيل : هم بنو إسرائيل. والقرون : الأمم ، ولعل وجه الجمع هنا للقرون والإفراد فيما سبق قريبا أنه أراد هاهنا أمما متعدّدة وهناك أمة واحدة. ثم بيّن سبحانه كمال علمه وقدرته في شأن عباده ، فقال : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) أي : ما تتقدّم كل طائفة مجتمعة في قرن آجالها المكتوبة لها في الهلاك ولا تتأخّر عنها ، ومثل ذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣) ثم بيّن سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين ، وأن شأن أممهم كان واحدا في التكذيب لهم فقال : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها بمعنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه ، لا على معنى أن إرسال الرسل جميعا متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعا ، ومعنى (تَتْرا) تتواتر واحدا بعد واحد ، ويتبع بعضهم بعضا ، من الوتر وهو الفرد. قال الأصمعي : واترت كتبي عليه : أتبعت بعضها بعضا ؛ إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة. وقال غيره : المتواترة : المتتابعة بغير مهلة. قرأ ابن كثير وابن عمرو «تترى» بالتنوين على أنه مصدر. قال النحاس : وعلى هذا يجوز «تترى» بكسر التاء الأولى. لأن معنى ثم أرسلنا : وواترنا ،
__________________
(١). الزخرف : ١٣ و ١٤.
(٢). هود : ٤١.
(٣). الأعراف : ٣٤.