أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) قال : يستغيثون ، وفي قوله : (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) قال : تدبرون ، وفي قوله : (سامِراً تَهْجُرُونَ) قال : تسمرون حول البيت وتقولون هجرا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) قال : بحرم الله أنه لا يظهر عليهم فيه أحد. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا (سامِراً تَهْجُرُونَ) قال : كانت قريش يتحلّقون حلقا يتحدّثون حول البيت. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) قال : كان المشركون يهجرون برسول الله صلىاللهعليهوسلم في القول في سمرهم. وأخرج النسائي وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : إنّما كره السمر حين نزلت هذه الآية (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ).
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣))
قوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) بيّن سبحانه أنّ سبب إقدامهم على الكفر هو أحد هذه الأمور الأربعة : الأوّل عدم التدبر في القرآن ، فإنهم لو تدبروا معانيه لظهر لهم صدقه وآمنوا به وبما فيه ، والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدّر ؛ أي : فعلوا ما فعلوا فلم يتدبروا ، والمراد بالقول القرآن ، ومثله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) (١). والثاني : قوله : (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) «أم» هي المنقطعة ، أي : بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأوّلين؟ فكان ذلك سببا لاستنكارهم للقرآن ، والمقصود تقرير أنه لم يأت آباءهم الأوّلين رسول ، فلذلك أنكروه ، ومثله قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (٢) وقيل : إنه أتى آباءهم الأقدمين رسل أرسلهم الله إليهم. كما هي سنة الله سبحانه في إرسال الرسل إلى عباده ، فقد عرف هؤلاء ذلك ، فكيف كذّبوا هذا القرآن. وقيل : المعنى : أم جاءهم من الأمن من عذاب
__________________
(١). النساء : ٨٢.
(٢). يس : ٦.