عذابهم ، ولكنه يؤخّره لعلمه بأن بعضهم سيؤمن ، أو لكون الله سبحانه لا يعذّبهم والرسول فيهم ، وقيل : قد أراه الله سبحانه ذلك يوم بدر ويوم فتح مكة ، ثم أمره سبحانه بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب ، فقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أي : ادفع بالخصلة التي هي أحسن من غيرها ، وهي الصفح والإعراض عما يفعله الكافر من الخصلة السيئة ، وهي الشرك. قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : هي محكمة في حقّ هذه الأمة فيما بينهم ، منسوخة في حق الكفار (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) أي : ما يصفونك به مما أنت على خلافه ، أو بما يصفون من الشرك والتكذيب ، وفي هذا وعيد لهم بالعقوبة. ثم علّمه سبحانه ما يقوّيه على ما أرشده إليه من العفو والصفح ومقابلة السيئة بالحسنة ، فقال : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) الهمزات جمع همزة ، وهي في اللغة الدفعة باليد أو بغيرها ، وهمزات الشياطين : نزغاتهم ووساوسهم كما قاله المفسرون ، يقال : همزه ولمزه ونخسه ، أي : دفعه ؛ وقيل : الهمز : كلام من وراء القفا ، واللمز : المواجهة ، وفيه إرشاد لهذه الأمة إلى التعوّذ من الشيطان ، ومن همزات الشياطين سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أمره سبحانه أن يتعوّذ بالله من حضور الشياطين بعد ما أمره أن يتعوّذ من همزاتهم ، والمعنى : وأعوذ بك أن يكونوا معي في حال من الأحوال ، فإنهم إذا حضروا الإنسان لم يكن لهم عمل إلا الوسوسة والإغراء على الشرّ والصرف عن الخير. وفي قراءة أبيّ «وقل ربّ عائذا بك من همزات الشياطين ـ وعائذا بك ربّ أن يحضرون».
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) قال : خزائن كل شيء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) يقول : أعرض عن أذاهم إياك. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال : بالسلام. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، عن أنس في قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) قال : قول الرجل لأخيه ما ليس فيه ، فيقول : إن كنت كاذبا فأنا أسأل الله أن يغفر لك ، وإن كنت صادقا فأنا أسأل الله أن يغفر لي. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود ، والترمذي وحسّنه ، والنسائي ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعلّمنا كلمات نقولهنّ عند النوم من الفزع : بسم الله ، أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشرّ عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون» قال : فكان عبد الله بن عمرو يعلّمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ، ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلّقها في عنقه. وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وفيه مقال معروف. وأخرج أحمد عن خالد بن الوليد أنه قال : «يا رسول الله إني أجد وحشة ، قال : إذا أخذت مضجعك فقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشرّ عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ، فإنه لا يحضرك ، وبالحريّ أن لا يضرّك».