إذ قيل من ربّ المزالف والقرى |
|
وربّ الجياد الجرد قلت لخالد |
أي : لمن المزالف. والملكوت : الملك ، وزيادة التاء للمبالغة ، ونحو جبروت ورهبوت ، ومعنى (وَهُوَ يُجِيرُ) أنه يغيث غيره إذا شاء ويمنعه (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي : لا يمنع أحدا أحدا من عذاب الله ولا يقدر على نصره وإغاثته ، يقال : أجرت فلانا ؛ إذا استغاث بك فحميته ، وأجرت عليه : إذا حميت عنه (قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) قال الفرّاء والزجّاج : أي : تصرفون عن الحق وتخدعون ، والمعنى : كيف يخيل لكم الحق باطلا والصحيح فاسدا ، والخادع لهم هو الشّيطان أو الهوى أو كلاهما. ثم بيّن سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم فقال : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) أي : الأمر الواضح الذي يحقّ اتباعه (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك ، ثم نفاهما عن نفسه فقال : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) «من» في الموضعين زائدة لتأكيد النفي. ثم بيّن سبحانه ما يستلزمه ما يدّعيه الكفار من إثبات الشريك ، فقال : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) وفي الكلام حذف تقديره : لو كان مع الله آلهة لا نفرد كل إله بخلقه ، واستبدّ به ، وامتاز ملكه عن ملك الآخر ، ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أي : غلب القويّ على الضعيف ، وقهره ، وأخذ ملكه ، كعادة الملوك من بني آدم ، وحينئذ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها ، وإذا تقرّر عدم إمكان المشاركة في ذلك ، وأنه لا يقوم به إلا واحد ، تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه ، وهذا الدليل كما دلّ على نفي الشريك فإنه يدلّ على نفي الولد ، لأن لله عزوجل (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : هو مختصّ بعلم الغيب والشهادة ، وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب. قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي عالم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو عالم. وقرأ الباقون بالجرّ على أنه صفة لله أو بدل منه. وروي عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ (فَتَعالى) الله (عَمَّا يُشْرِكُونَ) معطوف على معنى ما تقدّم كأنه قال : علم الغيب فتعالى ، كقولك : زيد شجاع فعظمت منزلته ، أي : شجع فعظمت ، أو يكون على إضمار القول ، أي : أقول فتعالى الله ، والمعنى : أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك في الملك (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) أي : إن كان ولا بدّ أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل لهم (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : قل يا ربّ فلا تجعلني. قال الزجاج : أي إن أنزلت بهم النقمة يا ربّ فاجعلني خارجا عنهم ، ومعنى كلامه هذا أن النداء معترض ، و «ما» في «إما» زائدة ، أي : قل ربّ إن تريني ، والجواب : «فلا تجعلني» ، وذكر الربّ مرّتين مرّة قبل الشرط ، ومرّة بعده مبالغة في التضرّع. وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله في القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبدا ، تعليما له صلىاللهعليهوسلم من ربه كيف يتواضع. وقيل : يهضم نفسه ، أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله كقوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١) ثم لما كان المشركون ينكرون العذاب ويسخرون من النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا ذكر لهم ذلك ؛ أكد سبحانه وقوعه بقوله : (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) أي : أن الله سبحانه قادر على أن يري رسوله
__________________
(١). الأنفال : ٢٥.