رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال : (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته ، وقيل : أمره بالاستغفار لأمته. وقد تقدّم بيان كونه أرحم الرّاحمين ، ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت ، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) أتوب أعمل صالحا ، فيقال له : قد عمّرت ما كنت معمّرا ، فيضيق عليه قبره ، فهو كالمنهوش ينازع (١) ويفزع ، تهوي إليه حيات الأرض وعقاربها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : زعموا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعائشة : إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ، بل قدما إلى الله ؛ وأما الكافر فيقولون له : نرجعك ، فيقول : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) هو مرسل. وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحقّ فيجعل بين عينيه ، فعند ذلك يقول : ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت». وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : (أَعْمَلُ صالِحاً) قال : أقول لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ، يدخل عليهم في قبورهم حيات سود ، حية عند رأسه ، وحية عند رجليه ، يقرصانه حتى تلتقيا في وسطه ، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) قال : حين ينفخ في الصور ، فلا يبقى حيّ إلا الله. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه سئل عن قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) وقوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢) فقال : إنها مواقف ، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا ، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون. وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصحّحه ، عنه أيضا أنه سئل عن الآيتين فقال : أما قوله : (وَلا يَتَساءَلُونَ) فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء ، وأما قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر عن ابن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين. وفي لفظ : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأوّلين والآخرين ، ثم ينادي مناد : ألا إن هذا فلان بن فلان ، فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه. وفي لفظ : من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه ، فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا ، ومصداق ذلك في كتاب الله (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ).
__________________
(١). في الدر المنثور «ينام» (٦ / ١١٤)
(٢). الصافات : ٢٧.