وقيل : لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وما دار بينهما ؛ وقيل : إن أحسن هنا بمعنى أعجب ؛ وقيل : إن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة. قوله : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) إذ منصوب على الظرفية بفعل مقدّر ؛ أي اذكر وقت قال يوسف. قرأ الجمهور «يوسف» بضم السين ، وقرأ طلحة بن مصرّف بكسرها مع الهمز مكان الواو ، وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين ، وهو غير منصرف للعجمة والعلمية ؛ وقيل : هو عربي. والأول أولى بدليل عدم صرفه. (لِأَبِيهِ) أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (يا أَبَتِ) بكسر التاء في قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ونافع وابن كثير ، وهي عند البصريين علامة التأنيث ، ولحقت في لفظ أب في النداء خاصة بدلا من الياء ، وأصله يا أبي ، وكسرها للدلالة على أنها عوض عن حرف يناسب الكسر. وقرأ ابن عامر بفتحها ؛ لأن الأصل عنده يا أبتا ، ولا يجمع بين العوض والمعوّض ، فيقال يا أبتي ، وأجاز الفراء يا أبت بضم التاء (إِنِّي رَأَيْتُ) من الرؤيا النومية لا من الرؤية البصرية ، كما يدلّ عليه (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ). قوله : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) قرئ بسكون العين تخفيفا لتوالي الحركات ، وقرئ بفتحها على الأصل (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) إنّما أخّرهما عن الكواكب لإظهار مزيتهما وشرفهما ؛ كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة ؛ وقيل : إن الواو بمعنى مع ، وجملة (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها ، وأجريت مجرى العقلاء في الضمير المختص بهم ؛ لوصفها بوصف العقلاء ، وهو كونها ساجدة ، كذا قال الخليل وسيبويه ، والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) الرؤيا مصدر رأى في المنام رؤيا على وزن فعلى كالسّقيا والبشرى ، وألفه للتأنيث ، ولذلك لم يصرف ، نهى يعقوب عليهالسلام ابنه يوسف عن أن يقصّ رؤياه على إخوته ؛ لأنه قد علم تأويلها ، وخاف أن يقصّها على إخوته فيفهمون تأويلها ويحصل منهم الحسد له ، ولهذا قال : (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) وهذا جواب النهي وهو منصوب بإضمار أن ؛ أي : فيفعلوا لك ؛ أي لأجلك كيدا مثبتا راسخا لا تقدر على الخلوص منه ، أو كيدا خفيا عن فهمك ؛ وهذا المعنى الحاصل بزيادة اللام آكد من أن يقال فيكيدوا كيدا ؛ وقيل : إنما جيء باللام لتضمينه معنى الاحتيال المتعدّي باللام ، فيفيد هذا التضمين معنى الفعلين جميعا الكيد والاحتيال ، كما هو القاعدة في التضمين أن يقدّر أحدهما أصلا والآخر حالا ، وجملة (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) مستأنفة ، كأن يوسف عليهالسلام قال : كيف يقع منهم ، فنبهه بأنّ الشّيطان يحملهم على ذلك ، لأنه عدو للإنسان مظهر للعداوة مجاهر بها. قوله : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) أي : مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من سجود الكواكب والشمس والقمر ، يجتبيك ربك ، ويحقّق فيك تأويل تلك الرؤيا ، فيجعلك نبيا ، ويصطفيك على سائر العباد ، ويسخّرهم لك كما تسخّرت لك تلك الأجرام التي رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك. قال النحّاس : والاجتباء أصله من جبيت الشيء حصلته ، ومنه جبيت الماء في الحوض : جمعته ، ومعنى الاجتباء : الاصطفاء ، وهذا يتضمّن الثّناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه ، ومنها (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي تأويل الرؤيا. قال القرطبي : وأجمعوا أنّ ذلك في تأويل الرؤيا ، وقد كان يوسف عليهالسلام أعلم الناس بتأويلها ؛ وقيل : المراد : ويعلّمك من