(وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) يشمل الآباء والأمهات (وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) معطوف على الضمير في يدخلون ، وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، أي : ويدخلها أزواجهم وذرياتهم ، وذكر الصلاح دليل على أن لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من قرابات أولئك ، ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) أي من جميع أبواب المنازل التي يسكنونها ، أو المراد من كل باب من أبواب التحف والهدايا من الله سبحانه (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي قائلين سلام عليكم ، أي : سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة (بِما صَبَرْتُمْ) أي بسبب صبركم ، وهو متعلّق بالسلام ، أي : إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم أو متعلق بعليكم. أو بمحذوف ، أي : هذه الكرامة بسبب صبركم أو بدل ما احتملتم من مشاقّ الصبر (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمّنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق ، ثم أتبع أحوال السعداء بأحوال الأشقياء ، فقال (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وقد مرّ تفسير عدم النقض وعدم القطع فعرف منهما تفسير النقض والقطع ، ولم يتعرض لنفي الخشية والخوف عنهم وما بعدهما من الأوصاف المتقدّمة لدخولها في النقض والقطع (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالكفر وارتكاب المعاصي والإضرار بالأنفس والأموال (أُولئِكَ) الموصوفون بهذه الصفات الذميمة (لَهُمُ) بسبب ذلك (اللَّعْنَةُ) أي : الطّرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أي سوء عاقبة دار الدنيا ، وهي النار أو عذاب النار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) قال : هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) قال : عن الحق فلا يبصره ولا يعقله (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) فبيّن من هم ، فقال : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ). وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (أُولُوا الْأَلْبابِ) قال : من كان له لبّ ؛ أي عقل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة : أن الله ذكر الوفاء بالعهد والميثاق في بضع وعشرين آية من القرآن. وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن البرّ والصّلة ليخفّفان سوء الحساب يوم القيامة ، ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ)». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يعني من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يعني يخافون من قطيعة ما أمر الله به أن يوصل (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) يعني شدّة الحساب.
وقد ورد في صلة الرحم وتحريم قطعها أحاديث كثيرة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحّاك (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) قال يدفعون بالحسنة السيئة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) قال : بطنان الجنة ، يعني وسطها. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن عمر قال لكعب : ما عدن؟