قال ابن عرفة : والترتيب في الآية مناسب ؛ لأن الإنسان في الصحة يغلب جانب الخوف ، وهذا الاحتضار والإشراف على الموت يغلب جانب الرجاء والطمع.
قوله تعالى : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ).
هي اجتناب فلا يتصور أنها مواعدة منسوخة بآية السيف بل هي حال عمن شهد شهادة.
قال ابن عرفة : فيه نظر ؛ لأن الجهاد واجب على الرسول ، قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣] فإن قلنا : إن الجهاد من التبليغ فلا تكون منسوخة ، وإن قلنا : إنه ليس من التبليغ فالآية منسوخة ، والأصل عدم النسخ.
قوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ).
قال تقدمت مناقضتها [٢٩ / ١٤٢]
بقوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
فدلت على أن الخبيث أقل من الطيب ؛ لأن المميز من الشيء يكون أقل من ذلك الشيء ، فتقدم الجواب بوجهين :
الأول : أن .... (١) الجملة محلية وهذه شرطية.
الثاني : أن الفرق بين التمييز والمميز فلا يلزم من قولك : ميزت الفول من الحمص ، أن يكون الفول أقل من الحمص حتى يقول : أخرجت الفول من الحمص للفظ التمييز صادف على كل واحد منهما ، قال : وكنت بحثت مع ابن عبد السّلام فيها ، وقلت له : هذه تدل على الترجيح بالكثرة في الشهادة ؛ لأنهم اختلفوا إذا شهدته ؛ لأن يأمر وشهد عشرة عدول بضده ، فالمشهور عندنا أن لا فرق بين العشرة والعدلين وهما متكافئان ، وفي المذهب قول آخر بالترجيح ، فقوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) يدل أن الكثرة لها اعتبار بدليل أنها ما أسقطت هنا إلا الخبيث ، قال : ثم وجدت ابن المنير ذكره بعينه ، وكنت قلته من عندي ولم يوافقني عليه ابن عبد السّلام بوجه.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.