قال ابن عرفة : هذه الآية رد على الجاحظ القائل بأن الكذب لا يطلق إلا على من تعمد الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به ؛ لأنه إذا كان الكذب لا يطلق إلا على من تعمد ذلك فما هو افتراء الكذب ، وإذا جعل الكذب عاما في الأمرين ، فنقول : افتراء الكذب هو التعمد على الشيء بخلافه ، والكذب المطلق هو أن يجريه ناسيا فهذا كذب من غير افتراء.
قال ابن عرفة : أجابوا عن الجاحظ بأن الكذب على قسمين كذب في أمر ظاهر لا نشك فيه فهذا افتراء وكذب في أمر يمكن أن يكون حقا أو باطلا فهذا كذب من غير افتراء ، قال : وهذا اللفظ تأسيس ؛ لأن الكذب على الله بمنزلة من تجرأ على متاع السلطان فتصرف فيه ويكون كلامه بمنزلة من لم يصدق بما أتى من السلطان من الخبر فالأول أقوى جرأة.
قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
دليل على شدة شر الظالم وعلى شؤم عدم الفلاح ؛ لأنه ختم على هؤلاء به وعلل عذابهم بذلك ، [٣٠ / ١٤٦] أو بمعنى بل أو بمعنى الواو ، قيل لابن عرفة : إن جعلنا أو بمعنى الواو يبقى من اتصف بأحد الأمرين فقط غير دليل في الآية ، قال : وإن لم يجعلها بمعنى الواو ولم يعن الآية ؛ لأن المتصف بالأمرين هذا أظلم ممن اتصف بأحدهما بلا شك فيبقى من اتصف بأحدهما بلا شك أظلم من جميع الناس بل أظلم من بعضهم فقط.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا).
ابن عرفة : اختلف في العامل في يوم ، فقيل : قوله (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وعبر بالشركاء إما لأن المراد ظلمهم.
قوله تعالى : (شُرَكاؤُكُمُ).
سؤال توبيخ وتبكيت.
ابن عرفة : وتقدم لنا في الآية سؤال وهو أن جوابها مخالف للسؤال لوقوع السؤال بالفعل مثبتا وهو (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) ، والجواب بالاسم منفيا وهو (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ، ولم يقل : ما أشركنا مع أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم فلا يلزم منه نفي مطلق الإشراك عنهم ، قال : وتقدم الجواب بأن المراد نفي الإشراك الأخص الموجب للخلود في النار ، وهو الإشراك المتصل بالنار ، وأما نفي مطلق الإشراك فلا لأن من أشرك وتاب من شركه لا يعذب.