وأجاب ابن عرفة : بأنه إذا كان في المجلس أشراف واتباع فأمر الأشراف يأمر كأنه يتناول الاتباع من باب أحرى بدلالة الالتزام لا المطابقة ، وكذلك هذا لما أمر الملائكة [٣٣ / ١٦٢] السجود لآدم على شرفهم فيتناول الأمر إبليس وإن كان إبليس ليس منهم من باب أحرى.
قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ).
هذا سؤال توبيخ لا يستحق جوابا فظن إبليس أنه سؤال حقيقي ؛ فأجاب عنه بمقدمتين حذف أحدهما لدلالة الكلام عليها والتقدير أنا خير ، والفاضل لا يسجد للمفضول فأنا لا أسجد إما أنا خير منه فبينه بكونه خلق من نار وآدم من طين ، وإما أن الفاضل لا يسجد للمفضول ، قيل : وجوابه أن هذا على قاعدة التحسين والتقبيح باطل وإنما يتم على مذهب المعتزلة ، لكن جاء بموضع المقدمة الصغرى وموضع كونه خير من آدم ، وإلا كان يقول الملائكة : نحن خير منه ؛ لأنا خلقنا من نور.
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها).
ابن عرفة : أفاد الجنة فيكون باعتبار الوجود لا باعتبار الحكم ؛ لأنه قد وسوس فيها آدم ، وإن أريد السماء فيكون باعتبار أي ، فما يجوز لك أن تتكبر فيها ؛ لأنه قد امتنع من السجود لآدم.
قوله تعالى : (فَاخْرُجْ).
إما تكرار للتأكيد ، وإما تأسيس والأول هبوط حسي ، وهذا خروج من حكم الاعتناء والمراعاة إلى حكم الصغار والإذلال والاحتقار.
قوله تعالى : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
إبليس أعلم بالتورية [.....].
قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ).
قال ابن عرفة : إنما لم يقل : ومن فوقهم ومن تحتهم ؛ لأن جهة الفوق منها الرحمة ، وجهة التحتية داخلة في الإتيان من باب أحرى ؛ لأنها محل إبليس.
قال ابن العربي في سراج المريدين في الاسم الثامن والعشرين : حضرت يوما مجلس الإمام أبي منصور الشيرازي وعادته أن يرقى المنبر ويجيب عن كل سؤال ، أو يصعد المنبر ويأخذ القارئ بالقراءة وترمى الرقاع بالأسئلة من كل جانب وتتناولها الأيدي حتى تصل إليه فيجعلها تحت ركبتيه ؛ فإذا سمع القارئ أخذها واحدة واحدة ،