أنه أظلم من غيره على سبيل العموم فيكون مخصوصا ، بقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [سورة البقرة : ١١٤].
قال ابن عرفة : وكان بعضهم يرد على الجاحظ بهذه الآية ، في قوله : إن الكذب إنما يطلق على من تعمده ؛ فدلت الآية على أن من أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه ناسيا فهو كذب ، وإن كان عامدا فهو افتراء وأجيب بالفرق بين مطلق الكذب وافتراء الكذب ؛ وهو أن من أخبر بمجيء زيد وهو معتقد أنه لم يجىء وصادف في نفس الأمر أنه جاء فليس مفتر بالكذب ولا يسمى كاذبا بوجه ؛ كمن حلف عليه بالطلاق أنه قد جاء معتقدا أنه لم يجىء وقد صادف أنه جاء.
قوله تعالى : (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ).
يحتمل أن يرجع إليهم بمعنى أنهم تارة يقولون على الله ما لم يقله ، فيقولون : حرم علينا السائبة والوصيلة والحام ، وتارة ينسبون إليه ما هو منزه عنه ؛ كجعلهم له شريكا ، ونسبتهم إليه الولد ؛ فهذا افتراء الكذب ، ذكره الفخر.
وتارة يكذبون بالآيات والمعجزات الظاهرة على يد رسوله وهذا تكذيب ، ويحتمل أن تكون الآية خرجت مخرج الإنصاف ، كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سورة سبأ : ٢٤] فالمعنى : قل لهم يا محمد إن كنت أنا مفتريا على الله فلا أظلم مني ، وإن كنت صادقا وأنتم تكذبون بي فلا أظلم.
قوله تعالى : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ).
قالوا : المراد بذلك الأصنام.
ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : يحتمل أن يريد به كل ما يشتمل عن الطاعات من الشهوات والأمور الدنيوية ، كما قال تعالى (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) [سورة الأحقاف : ٢٠].
وقال تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
إشارة إلى أن أعمالهم الدنيوية تذهب عنهم فلا يجدون لها أثرا بخلاف الأعمال الصالحة.
قوله تعالى : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).
إن أريد شهادة بعضهم على بعض فهذه شهادة حقيقية ، وإن أريد واحد منهم يشهد على نفسه فهو إقرار وليس بشهادة لاستلزامه العقوبة.