الثاني : أن ما لزمك فقد لزمته فلما كان من الحق حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحق لازما له.
ورده ابن عرفة بالواجب المخبر ؛ إذ لو كان كذلك لما وجد في الدنيا واجب مخبر أصلا.
قوله تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
ولم يقل : فابعث معي ؛ لأن أرسل قد وجد منه رسول ومرسل ولم يشتق من بعث شيء.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ).
دليل على خبثه ؛ حيث أتى بإن المقتضية للشك وصيرورة ما دخل عليه في خبر المحال بخلاف إذا لأن وقوعه عنده غير محقق ، وتنكير آية للتعليل أو للعموم ، فإن قلت : لم قال : (إِنْ كُنْتَ) ، ولم يقل : إن جئت؟ قلت : هذا أبلغ في النفي ؛ لأنه أعم ، وقد تقرر أن قولك : ليس هذا بحيوان ، أبلغ من قولك : ليس هذا بإنسان ، فإن قلت : لم قال : (مِنَ الصَّادِقِينَ) مع أنه أخص من قوله : إن كنت صادقا؟ قلت : الجواب كالجواب في قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ) [سورة فصلت : ٤٦] أو عام ، أما إذا علقنا (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، بقوله : (فَأْتِ) كان فيه ما يدل على أن الصدق يكون في الأقوال والأفعال ، إلا أن يكون قوله : (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي : في دعوى الرسالة في يجيئك بالآية ، والظاهر أن موسى عليه الصلاة السّلام أتى بالمطلوب وزيادة ؛ لأنه إنما طلب منه آية واحدة وفيه أن الشيء يستدل عليه بدليلين.
قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ).
تقدم لابن عرفة فيها ما نصه : أي ظاهر قاله الزمخشري.
وقال الفخر : إنه إشارة إلى مذهب أهل السنة ؛ لأنهم يقولون : إن الأجسام متساوية في الحقيقة فلا فرق بين الحمار والإنسان ؛ لأن كلا منهما جسم متحيز عندهم ، فيجوز عندهم أن يرد الله تعالى الحمار إنسانا أو ثعبانا حقيقة.
وقال المعتزله والحكماء : إن الأجسام متباينة ، ونسبة أحدهما إلى الآخر كنسبة الجوهر إلى العرض ؛ إذ لا يصح عندهم صيرورة الجوهر عرضا ولا العكس ، قالوا : فكذلك الأجسام ؛ فلا يجوز عندهم أن تصير العصا ثعبانا ، وأيضا فهي تخييلات ، فقوله : (مُبِينٌ). إن التشكيك على قسمين : تشكيك في الأمور الضرورية ، وتشكيك في النظريات فإنه تشكيك في الأمور البديهة لا يصح لأنه إبطال لما علم ثبوته