البعيدة ؛ لأن حكم الحاكم من باب تغيير المنكر واجب على الفور ، وتقدم حديث : " لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان" ، وقد صدرت هذه المقالة من موسى عليهالسلام حالة غضبه وهو تغيير منكر ، قال : وأجيب بوجهين :
أحدهما : الأول : أن ذلك في غير النبي ، وأما النبي فهو معصوم ، والخطأ والتجاوز في حكمه فلا يؤثر فيه الغضب حسبما ذكر نحوه عياض في آخر الأجوبة عن حديث الزبير في شراج الحرة حين غضب النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقال : " اسق يا زبير حتى تبلغ الجدر" ثم أمسك الجواب.
الثاني : أن حكم الحاكم أخص من تغيير المنكر ؛ لأن حكم الحاكم لا يقع إلا ممن هو معين لذلك ، وتغيير المنكر يقع في سائر الناس ؛ كما يلزم من اشتراط السلامة من الغضب والشواغل في حكم الحاكم اشتراطه في تغيير المنكر على هذا ؛ فيعم ذلك جميع الناس من الفسقة وغيرهم.
الإشكال الثاني : أن الإنكار إن وقع على أمر محرم فيكون راجعا لذاته ، وإن وقع على أمر جائز فهو إما لقوته أو لمحله ؛ والإنكار وقع عليهم في نفس معبودهم وهو العجل.
وقوله (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) فزعم أن الإنكار وقع على الاستعجال دون الشيء المستعمل ؛ ألا ترى أن الإنسان لو جهل في رمضان فأفطر على مباح قبل مغيب الشمس لحسن أن يقول : لما تعجلت الفطر قبل الغروب ، ولو شرب الخمر أو أكل الخنزير لما حسن أن يقول له ذلك ، قيل : إنما ينكر عليه نفس الفعل ولا ينكر عليه الزمان بوجه.
قال : والجواب أن تحمل الآية على غير ما قاله المفسرون في الاستعجال وهو أن الناظر قد يظهر له شبهة فيستعجل عليها من غير إعادة نظر ولا تأمل ؛ ولذلك يقولون في الشعر : هذا شعر جبلي أي : معاود لها ولا ظهرت له شبهة ؛ فبادروا إلى اتباعه والعمل بها بأول وهلة ، ولو أعادوا النظر لظهر لهم فيها الحال ؛ فمعنى الآية عندي : أعجلتم من أمر ربكم أي : تعديتم عنه وخرجتم عنه وخالفتموه ، ويكون المراد بأمر ربكم توحيده وعبادته.
قوله تعالى : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ).