قوله تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
قال ابن عرفة : يحتمل أن يهدون غيرهم وبه يعدلون [٣٥ / ١٧٣]. في القسم أو العكس ، أو يرجع الأول للأمور الاعتقادية ، والثاني للأعمال ؛ فيحتمل أن يكون من العدل ، أو من العدول ، قال : الذين هم بربهم يعدلون ، ولذلك كان رجل دلال في سوق الكتبيين يسمى عدلان ، وكان ابن عبد السّلام يمزح معه : أنت عدلك عن الحق إلى الباطل أو العكس ، وإما لأن الحق يصدق على ما في الاعتقاد ، وإن كان في نفس الأمر ، قال : وعادتهم يوردون سؤالا مذكورا في نفس الائتلاف وهو لم قال (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ). وهلا قال : من أمة موسى قوم ، فإن الأمة أكثر من القوم والقوم أقل ، وعادتهم يجيبون بأن لفظ الأمة بالإلمام واتحاذ الكلمة أكثر مما يشعر به لفظ قوم ولذلك يجمع على أمم ، ولذلك قال : " ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة" ؛ والافتراق دليل على ما تقدم الاجتماع.
قوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ).
قال : معطوف على محذوف ؛ أي : فضرب فانبجست قيل له : قال ابن عصفور إن المحذوف ضرب والفاء المتصلة بانبجست ، وأما الفاء الملفوظ بها فهي داخلة على ضرب مقدر بين الفاء وبين انبجست ، فقال : ليتأتى له ما يعطفه عليه مثل (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ.).
قال الزمخشري : فإن قلت : ما فائدة هذا الحذف؟ فأجاب : بأنه إشعار بسرعة الانبجاس بنفس الأمر حتى كأنه سابق على الضرب ، قال ابن عرفة : ويذكر فيه جوابا آخر لبعض المتقدمين ؛ وهو أنه مشبهة على إسناد الكائنات إلى الله تعالى ، وأن الضرب إنما هو سبب عادي ، والانبجاس عنده لا به.
قوله تعالى : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ).
قال ابن عطية : العامل في إذ فعل مقدر تقديره : واذكر إذا قيل لهم ، قال ابن عرفة : فعلى هذا يكون إذ مفعولا به ، والصواب أن يقدر أن يكون ظرفا ، لأن وقت القول لهم متقدم الأمر والسكن ، قال : وقد ذكر الوجهان في غير ما وضع إذ هي منصرفة ، فالجواب أن يقدر بها فعل يعمل فيها على أنها ظرف تقديره : أنعمنا عليهم ، إذ قيل لهم : اسكنوا ، قال : والدخول أعم من السكن فهو من التعبير بالأعم مطلقا ، أو بالأعم من وجه دون وجه فيستلزم الأخص ، وعبر في البقرة بالدخول ، لقوله : (رَغَداً) [سورة البقرة : ٣٥] والرغد يستلزم دوام الإقامة ؛ واستغنى عنها بلفظ اسكنوا.