قول تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ). قال ابن عرفة : النبي هو اختصاص الله لبعض خلقه بالوحي على لسان الملك ؛ فإن أمر بالتبليغ فهو رسول ، فالرسول أخص من النبي ، وقيل : هما سواء ، ونقل الإمام الغزالي ، وابن العربي في بعض تعاليقه قولان : بأن النبي أخص ووجهه ؛ بأنك تقول : فلان رسول فلان ، ولا تقول : فلان نبي ، وجاءت هذه الآية على العكس ؛ لأن ثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ، فما السر في تقديم الرسول على النبي؟ وأجيب : بأن اتباعه من حيث كونه مرسلا لا يلزم منه اتباعه من حيث كونه نبيا فقط ، ولا يلزم منه اتباعه من حيث كونه أميا فقط فكان العطف ترقيا في المدح ، فهو من باب الانتقال من الدليل الأوضح إلى الدليل الواضح ، ثم إلى الدليل الخفي ، فالإيمان به من حيث كونه رسولا يستلزم الإيمان به من حيث كونه نبيا فقط ، والإيمان به من حيث كونه نبيا فقط لا يستلزم الإيمان به من حيث كونه أميا فقط ، والمراد هنا الاتباع الاصطلاحي ؛ وهو أن يفعل مثل ما فعل المتبوع لأجل أنه فعله ، وهذا على سبيل التوزيع ؛ لأن الذي يجدونه عندهم في التوراة هم اليهود ، وأهل الإنجيل هم النصارى.
قوله تعالى : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ).
قد يقال : فيه دليل على أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده ، لقوله تعالى :
(وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ).
قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً).
قال ابن عرفة : كثيرا ما يقع هذا في القرآن فهو مأمور بأن يقول : يا أيها الناس ، ويسقط لفظ قل ، ولكنه هنا مأمور بتبليغ الجميع آيات القرآن ، هو مأمور بتبليغها للناس ، وكان بعضهم يقول : اختصاص بعضها بلفظ قل نبه على أنه أمران : يقول ذلك ليكون إبراء لساحته وأقلع لنفي التوهم عنه و (النَّاسُ.) ، قيل : يشمل الجن والإنس ، وقيل : خاص بالإنس ، والفرق بين هذا وبين رسالة نوح بوجهين :
أحدهما : أن رسالة نوح كانت للإنس فقط.
الثاني : أنها كانت لأهل زمانه فقط ؛ وهذه عامة إلى قيام الساعة.
قوله تعالى : (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ).
قال الزمخشري : قيل : هي الكلمة التي تكون عند عيسى وجميع خلقه وهي كن.
قال ابن عرفة : هذا غير جار على مذهبه ؛ لأنه ينفي الكلام ، ولذلك قالوا : إنه ضعيف في أصول الدين.