هو الإنعام عليهم بنعمة استدراجا لهم في المعاصي.
قوله تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ).
هو عدم مؤاخذتهم بالذنب في الحال وتأخيرهم إلى أجل مسمى ، فإن قلت : عبر في (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ). بالنون الدالة على المتكلم ومعه غيره ، وفي (أُمْلِي لَهُمْ). بهمزة المتكلم وحده ، فأجيب بوجوه ؛ الأول : قال ابن عرفة : المشاهد في الدنيا أن إعطاء النعم في الملوك أكثر من الحلم والصفح والعفو عن المحرم ؛ فلا نجد منهم من يعفو من المحرم إلا القليل بحيث يعد عدا كمعاوية ونحوه ، ونجد الكثير منهم يعطي العطاء الجزيل فلما كان الإنعام أكثر ناسب أن يعبر عنه بالنون التي للمتكلم ومعه غيره ، وكانت هنا للعظمة فقط.
الثاني : أن الاستدراج نعم دنيوية والإملاء تأخير إلى أن يعذبوا عذابا أخرويا.
الثالث : أن الاستدراج فعل يستدعي فاعلا فناسب نون العظمة والإملاء ترك وتأخير وعدم مؤاخذة ، والعدم لا يتعلق به القدرة فناسب همزة المتكلم وحده.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
قال ابن عرفة : وتقدم المبالغة في النفي بأربعة أوجه : الأول : إدخال لفظه من ، الثاني : إفراد لفظة جنة فهو أعم من لو قيل : جنون ، الثالث : بلفظ صاحب المضاف إليهم فهو إشارة إلى أنهم غافلون به وهو بين أظهرهم قديما وحديثا.
قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
الحصر بحسب السياق ؛ أي : هذين لمن كذب وخالف وطعن فيه بالجنون.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قال القرافي : الملك راجع للأمر الظاهر ، والملكوت راجع للأمر الباطن ، وهو ظاهر كلام البيضاوي ؛ لقوله في خطبة كتابه الطوالع المطلع بشواهد الملك وغياهب الملكوت ، فالملك ما تعلق بظواهر الملك الأمر ، والملكوت ما تعلق بخفياتها.
وقال ابن عرفة : بل الفرق بينهما أن المخلوقات إن نظرناها باعتبار ذواتها فقط فهو نظر في ملك ، وإن نظرناها من جهة افتقارها إلى موجد أوجدها فهذا نظر في ملكوت ؛ فيستدل به على وحدانية الصانع وقدرته وإرادته وغير ذلك ، فإن قلت : لم قرن الأول بالتفكر والثاني بالنظر؟ ، فالجواب : أن الأول ماض فناسب التفكر كما يتفكر الإنسان شيئا نسيه ، والثاني حالي فناسب النظر.