وقال في كتاب السلم الثالث : وإن ابتاع رجلان عبدا فسألهما رجل أن يشركاه فالعبد بينهم ثلاثا ، فهذه تدل على التساوي ، وفرق بأن لفظ اشتركا يقتضي التسوية ، ولفظ شرك مرادف للتصريف والنصيب مجهول ، قال ابن عرفة : وحكى لي الفقيه الأعدل ابن العباس أحمد بن سليمان البرمكي ، قال : كنت أتلو القرآن في زاوية بجامع الزيتونة بإزاء سيدي سليمان الزيات ؛ فمرت به هذه الآية فوقع في النفس إشكال في فهمها بالنسبة إلى آدم ، فقال لي سيدي سليمان : في الحال لم يحتمل الشرك آدم وإنما ذلك منسوب لذريته فعددتها له كرامة ومكاشفة.
قوله تعالى : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ).
قيل : الضمير عائد على الأصنام ، وأجراهم مجرى من يعقل لمعاملتهم إياه معاملة من يعقل ، قيل : على المشركين.
ابن عرفة : فعلى الأول يكون وهم يخلقون علة مانعة من الإشراك ؛ أي المشركون أصناما مخلوقين مفتقرين إلى موجود أوجدهم ، والإله من شرطه ألا يكون مفتقرا لغيره ، وعلى الثاني يكون دليلا للتوحيد [٣٦ / ١٧٦] راجعا لدلالة التمانع ، أي أتشركون أصناما لا تخلق شيئا ، والغرض إن هؤلاء الكفار في ذواتهم مخلوقين فمن الخالق لهم ليس هو أحد إلا الله تعالى وقال في هذه الآية : إيماء لتكفير بعض غلاة المعتزلة في قولهم : إن العبد يخلق أفعاله فسموا ذلك خلقا.
قوله تعالى : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً).
لا يلزم من عدم القدرة على نصرة الغير أن لا يقدر على النصرة لنفسه.
قوله تعالى : (لا يَتَّبِعُوكُمْ).
أي لا يجيبوكم.
قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ).
فإن قلت : لم عبر في الأول بالفعل وفي الثاني بالاسم؟ فأجاب بأنه يفيد بأنهم صامتون دائما على الدعاء إليهم.
قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بما ذكر المنطقيون في العكوسات من أنه إذا لم يستلزم الأخص أمرا لم يستلزم الأعم ، وإذا ثبت استلزام الأخص أمرا لم يلزم منه ثبوت استلزام الأعم له بوجه ، فكما انتفى لزوم العلم للإنسان انتفى لزومه للحيوان ،