والأصل أن يقال : قل هي لله وللرسول ، كما قال تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) لكنه أعيد الظاهر هنا ، والمعنى حكمها لله والرسول فحكمها لله باعتبار أصل الشريعة ؛ لأنه يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء ، والرسول باعتبار التبليغ لأنه هو المبلغ من الله ، فإن قلت : السؤال عن إعطائها فكيف طابق الجواب ، قلنا : هو منزلة من سأل رجلا أن يعطيه العبد الفلاني ، فيقول له : كيف نعطيك وهو شركة بيني وبين فلان؟.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ).
البين من أسماء الأضداد يطلق على الاجتماع وعلى الافتراق.
قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
ابن عرفة : وعادتهم يوردون سؤالا وهو : لما أتى بالرسول أولا معرفا بالألف واللام وثانيا مضافا إلى الضمير بما ليس فيه ، وعادتهم يجيبون بأن الحكم لا يستدعي الإضافة ، والطاعة الامتثال فناسب إضافة الرسول ، كما تقول : امتثلت أمر رسول الخليفة فإن ذكره معين على الامتثال ومسبب فيه ؛ لأنه يفيد التهييج على الطاعة من حيث كونه من عند الله فهو أبلغ من كونه مضافا ، وأما في الأول فإنه أتى به لمجرد الإخبار فلم يفتقر إلى إضافة.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
إما أن يراد به مطلق الإيمان فيكون من خطاب التهييج والإلهاب مثل : إن كنت ولدي فبرني ، وإما أن يراد بالإيمان الكامل فيكون الشرط على بابه.
قوله تعالى : (إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).
وقال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد : ٢٨] ، وقال تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [سورة الزمر : ٢٣] والجمع بين هذه الآيات.
قوله تعالى : (ذُكِرَ اللهُ).
منه يحدث الطمأنينة واللين ، وأسند الوجل هنا للقلب ، وقال تعالى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) [سورة النجم : ١١] ، وقال تعالى (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [سورة الفرقان : ٣٢] ، وقال تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ) [٣٦ / ١٧٧] (كُلُ