أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [سورة الإسراء : ٣٦] فأسنده إلى الفؤاد ، فإما أن يقول أن الفؤاد يجمع أعم الجميع ، أو المراد به القلب ، أو المراد هنا بالقلب باطنه وهناك ظاهره وباطنه ، فكذلك عبر عنه بالفؤاد ، وقال تعالى في آخر سورة النور (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) [سورة النور : ٦٢] قال ابن عرفة : فعادتهم يوردون فيها سؤالين ؛ الأول : كيف الجمع بينها وبين هذه الآية؟ ، وهل هما متساويتان أم لا؟ والجواب : أن المراد : إنما المؤمنون الكاملون الإيمان ، ووصف الكمال يحتمل تناوبهما فيه ويحتمل التفاوت.
السؤال الثاني : لم خص الإيمان هنا بمن اتصف بالوجل ؛ ولم يقل : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله؟ قال : وعادتهم يجيبون بأن الوصف المجرد هنا معنى راجع للقلوب وهو أمر باطن فلذلك أسنده إلى الوجل ، والوصف هنا ظاهر حسي ؛ فلذلك علقه بالإيمان القولي الظاهر وهو النطق باللسان لأن ما بعده أمر ظاهر وهو الاستئذان.
قوله تعالى : (زادَتْهُمْ إِيماناً).
ابن عرفة : الإيمان إن أريد به مجرد التصديق والاعتقاد القلبي ؛ فهذا لا يزيد ولا ينقص ، وإن أريد الإيمان باعتبار فعل العمل البدني فهذا يزيد وينقص ، واختلفوا في تقرير زيادته فمنهم من جعله يزيد باعتبار المتعلقات مثل أن يكلف بشيء فيؤتى به ، ثم يكلف بآخر فيؤتى به ، ومنهم من جعله يزيد باعتبار كثرة الأعمال الصالحة ، ومنهم من جعله يزيد بكثرة الأدلة وزيادة باعتبار الأدلة إنما تفعل عند من يجعل العلوم متفاوتة ، وأما من يقول : إنها لا تتفاوت فيمنع الزيادة ، قال : والنقص فيه إنما يعقل باعتبار الأدلة وقلتها ، وأما باعتبار المتعلقات فلا يعقل فيه النقص ؛ لأن من لا يؤمن ببعض التكاليف هو كافر ؛ اللهم لو كان ذلك قبل البلوغ ، فكلف بأمرين أمر بأخذهما دون الآخر فهذا يعقل.
قوله تعالى : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
عبر هنا بلفظ الرب المقتضي للرحمة والحنان والشفقة ، وعبر في الأول ، بقوله (إِذا ذُكِرَ اللهُ) لما عقبه بالخوف والوجل ، فإن قلت : لم قال (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) و (زادَتْهُمْ إِيماناً) فعبر فيهما بلفظ الماضي ، وقال (يَتَوَكَّلُونَ) فعبر بالمستقبل؟ قلنا : الماضي يقتضي التحقيق والحصول ؛ فناسب الأولين ؛ لأنه أبلغ في المدح إشارة إلى سرعة الحصول ، وعبر في الثالث بالمستقبل إشارة إلى التجرد والتصوير ، كقوله