الْأَلِيمَ) [سورة يونس : ٨٩] فإن تلك ظاهرها جواز الدعاء بذلك ، وتقدم الجواب بقوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا) [سورة يونس : ٨٩] فإن أريد ربنا اطمس عليهم طمسا متصلا بالموت لا يعقبه إيمان إلا عند المعاينة في محل لا ينفعهم فيه الإيمان يؤخذ منها ذلة ، وإن أريد (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) فلا يؤمنوا إلى حين الموت قبل معاينة مقدماتها ، أي حين يعاينوا رؤية العذاب فلا دليل فيها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).
ابن عرفة : وهذا احتراس ؛ لأنه لما قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أوهم أن لهم في ذلك كسبا وقدرة فاحترز بذلك بقوله : (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
قال ابن عطية : الناس على أربعة أقسام : قسم تائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة ، قال ابن عرفة : في مثل هذا قالوا : كان الفقيه محمد أبو عبد الله البرجيني يقول : رقد ابن عطية هنا وهذا الموضع جدير بأن يقال فيه ذلك ، إذ لم يقل أحد من المتكلمين أنه في المشيئة بل كلهم أجمعوا على أنه في الجنة إذا أتى بالتوبة مستوفاة الشروط من رد المظالم إلى أهلها ، وغير ذلك من شروطها ، وإنما الخلاف في توبته عند أهل السنة هل هي قطعية أو ظنية ، وأجمعوا على أنه في الجنة.
قيل لابن عرفة : وظاهر عموم الآية أن مرتكب الكبيرة في المشيئة فيعم قاتل العمد وغيره ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) [سورة النساء : ٩٣] نص في الخلود ، ولكن أجمعوا أهل السنة أنه غير مخلد وينفي الكلام في دخوله النار ابتداء فظاهر هذه الآية أنه معروض على العفو عنه ، ونص تلك الآية على أنه غير معروض العفو ؛ لأن تلك خاصة ، وهذه عامة والخاص يقدم على العام.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ).
ابن عرفة : الاستفهام على سبيل التعجب من مدلوله وهو تزكيتهم أنفسهم فإن قلت : ظاهر منع قبول الخبر الذي يقتضي تفضيل الخبر فعادتهم يجيبون بأن ذلك مشروط بالعدالة فالعدالة تقتضي قبول خبره ، والتفضيل إنما هو من غيره وهو المنقول عنه ذلك الخبر ، فإن قلت : الإضراب هنا بل من غير المضرب عنه ؛ لأن مذهب أهل السنة أن تزكيتهم لأنفسهم خلق الله تعالى ، فالله تعالى هو الذي يزكيهم فكيف بهم