ذكر الحسنة والمصيبة تقليلا إشارة إلى تأثرهم لأدنى شيء من ذلك ، ولذلك عبر بإن دون إذا إشارة لها ولم تكن محققة ، وقدم الحسنة لأن فعبر .... (١) الحسنة حصلت لعدوه أشد من فرحة لمصيبة نزلت به ؛ لأن رفع المؤلم آكد من جلب الملائم ، فإن قلت : لم جعل الحسنة موجبة لوصف واحد والمصيبة لوصفين؟ قلنا : لأن الإنسان إذا علم بحسنة نالت عدوه فإنه يتألم لذلك ويخفيه ، وإذا علم بمصيبة نالت عدوه فإنه يفرح لذلك ويظهر للناس تشفيا فيه ، فإن قلت : أصل الحال أن يكون تقريره ، فهلا قال : وتولوا فرحين ، قلنا : إشارة إلى ملازمة فرحهم كقولهم : من أوله إلى آخره ؛ لأن جاء زيد ضاحكا أبلغ من جاء زيد ضحك.
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ).
إن قلت : لم أتى في الأول بأداة الحصر دون الثاني ، فالجواب : أن الحصر في الأول وإن لم يؤت به في الثاني ؛ لأن حالهم غير منحصر في أن يصيبهم العذاب ، إذ قد يقولوا : فلا يصيبهم العذاب بوجه ، فإن قلت : لم عدل من صريح النفي إلى مجازه المستفاد من الاستفهام؟ قلنا : لأن الاستفهام يقتضي الموافقة ، إذ لا يقول : هل زيد إلا قائم إلا من يعلم أنه يوافقك ، فإن قلت : لم وصف حالتي المؤمنين بالحسنيين ، وأنهما وعين حالتي حال المنافقين ولم يصفهما بالسوءتين ، فالجواب : أن المنافقين كانوا يزعمون أن موت أحد المؤمنين ليس بحسن ، وكذلك ظفرهم بالمؤمنين فعبر عن هذين الوصفين الأخيرين بالحسنيين ، ولما كان الوصفين الأخيرين فيجيز قبيحين عند المنافقين لم يحتج إلى وصفها بالتنوين اكتفاء بنفيهما.
قوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ).
قلت : في الآية ستة أسئلة :
السؤال الأول : لم يعطفه بالواو وهو من تمام قوله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا؟)
وجوابه : أنك إذا قلت : إن جاءك زيد فأعطه درهما ، أو أكرمه اقتضى الجمع والإفراد ، وهنا لو عطف بالواو لتوهم أنه يخرج من عهدته بأن يقول : هم أشد الشيئين فقط.
__________________
(١) بياض في المخطوطة.