ابن عرفة : والجواب أنه أتى في الأولين بلفظ الخبر تحقيقا لوقوع متعلقهما ؛ بخلاف ما لو كانا بلفظ النهي.
وأتى في الثالث بلفظ الأمر المقتضي للذم والسخرية والاستهزاء ، كقولك لمن يقصد السخرية به : اقعد مع النساء ؛ فهذا أبلغ في الذم من قولك : أنت تقعد مع النساء.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ).
ولم يقل : إنكم قعدتم ليتناول من خرج منهم راضيا بقعود من قعد منهم.
قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً).
أخذوا منها وجوب الصلاة على المؤمنين من ناحية مفهوم الصفة ، في قوله (مِنْهُمْ ؛) ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والعكس ، قيل لابن عرفة : والآية حجة للقول الذي حكى ابن الحاجب في مختصره : الأصل من أنه صلىاللهعليهوسلم يجوز عليه الخطأ في اجتهاده ، ولكن لا يقر عليه ، فقال ابن عرفة : ليس كذلك ؛ لأنه إن لم يكن صلى عليهم فلا كلام ، وإن كان صلى عليهم فنقول : هذا تجديد حكم في المنافقين وللمنافق أحكام كانت تجدد شيئا بعد شيء.
قوله تعالى : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ).
أخذوا منه جواز زيارة القبور كما أخذوا من الأول وجوب الصلاة على المؤمنين ، وأجيب بأن المقام على القبر يصدق بالحضور وقت الدفن.
قال أبو جعفر ابن الزبير : وإنما قال هنا : (وَلا تُعْجِبْكَ) ، وقال في التي قبلها : (فَلا تُعْجِبْكَ ؛) لأن الآية المتقدمة عليها (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ) وهي كلها جملة خبرية منفية ، فكان هذا النهي سببا عنها فناسب عطفها بالفاء ؛ لكن فيه معنى الشرط والجزاء ؛ أي إذا كانت هذه حالهم فلا تفترّ بما لديهم من المال والولد ، وهذه الآية تقدمها جمل طلبية لا قبلها (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) فناسب عطف النهي على النهي بالواو المقتضية للجمع من غير ترتيب ، ولذلك زيدت بها في الآية المتقدمة لما كان فيها معنى الشرط والجزاء المقتضي للتأكيد والإطناب ، ولذلك قال فيها (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) باللام التي هي أصرح في تعجيل ، وإذا أظهرت فيها معنى النواحي جسيما ؛ نص على ذلك سيبويه في الجواب بالفاء من كتابه ، ولذلك قال هناك (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأكد بزيادة لفظ الحياة لتجري الآية على وتيرة واحدة.
قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ).