الحسن ، فإن قلت : إن المباح يصدق عليه أنه حسن فيزول السؤال ؛ لأن الجزاء إنما هو على المندوب أو الواجب ، أو يقال : إن الله يجزيهم بما فعلوا جزاء أحسن أفعالهم إكراما لهم وإحسانا لذميم لذمهم.
قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ).
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : يحتمل أن يكون هذا تقسيما أو تعميما ؛ فإن كان تقسيما فيكون إما باعتبار أحوالهم وأنهم في حالة أخرى عند نزول سورة أخرى ، ينظر بعضهم إلى بعض ، وإن كان تعميما فهو إشارة إلى أنهم في كل سورة لينذر منهم هذا فبعضهم يقول : أيكم زادته هذه إيمانا ، وبعضهم ينظر إلى بعض ، إما من الخجل فيطلب الانسلاخ خوف الفضيحة بالذنب الذي عمل ، وأنه يسخر فينظر لصاحبه على سبيل السخرية والاستهزاء كما يفعل مردة الطلبة عند تكلم بعضهم بالخطأ في العلم فيسخر به أو يتغامز عليه.
قوله تعالى : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
ابن عطية : أسند الطبري هنا حديثا عن ابن عباس ، أنه قال : " لا تقولوا انصرفنا من الصلاة ، فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم ، ولكن قولوا قضينا الصلاة".
ابن عرفة : يؤخذ من هذا أن للأسماء اللغوية أثرا في التسمية في المعنى يجب باعتباره ، ولذلك نقلوا في كتاب السلم عن عمر أنه كره تسمية ، سلما قال : ويسمى تلفا ؛ لأن السلم مشتق من الإسلام.
قوله تعالى : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
ابن عرفة : تقدم فيها سؤال ، وهو أن السبب مخالف لمسببه ، و (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) معناه عن الاهتداء بعدم الفقه ، فكأنه يقول : صرفوا عن الاهتداء لعدم أهليتهم ، وأجيب بوجهين : إما أن المراد بالفقه التدبر ؛ أي صرفوا عن العلم بعدم تدبرهم وتفقههم ويطوهم ونظرهم ، وإما أن المراد أنهم غير قابلين للعلم ، أي صرفوا عن الاهتداء لعدم قبولهم له ، فإن قلت : سوءاتهما إنما هو عن رؤية المسلمين لجميعهم ، فهلا قالوا : هل يرانا من أحد؟ فالجواب أنهم قالوا لأصحابهم إن ظهر لك منا الضحك والاستهزاء ، فكذلك يكون ظهر للمؤمنين ؛ لأنهم يرونا لرؤيتكم ؛ بخلاف ما لو قال : هل يرانا من أحد.
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ).