قال ابن عرفة : ذكر ابن خروف في شرح سيبويه أنه حتى التي هي حرف ابتداء لا يلزمها الغاية ولا يحتاج إلى ما تكلفه المفسرون من أن التقدير هنا يوحي إليهم فتراخى نصرهم (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ).
قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا).
أي نسبوا في قولهم إلى الكذب وقرئ بالتخفيف فيبكي للفاعل والمفعول فعلى قراءة التشديد الظن إما على بابه لأن الرسل لما أخبروا المؤمنين بالنصر على الكفار في المستقبل وطال ذلك ارتابوا فظن الرسل أنهم قد كذبوا ولم يصدر منهم تكذيب حقيقة لأنهم مؤمنون.
قوله تعالى : (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
ابن عرفة : إن قلت هلا اسند الإنجاء لعموم المؤمنين كما نفى رد البأس من عموم المجرمين فكان يقال : فالجواب أنه إشارة إلى قول أهل السنة من أنه لا ينجينا من الله شيء وأن كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل فننحي من نشاء بجانبه بعد آتيه إلى الإيمان ولا يرد بأسنا عمن أتصف بالإجرام الثابت الدائم عليه اللازم إلى الخاتمة فلذلك عبر عنه بالاسم وذكر ابن عطية في قوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) ما لا ينبغي أن يقال على رءوس العوام ولا على غيرهم فمن أراد فلينظر فيه.
قوله تعالى : (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
ابن عرفة : يحتمل أن يريد غيره بالفعل أو بالإمكان والقوة وإن كانت بالفعل والمراد (عِبْرَةٌ) كما لأولي العقول النافعة ولا يلزم عليه الحلف في الأخير لأنه لو اتعظ به جميعهم واعتبروا لآمنوا كلهم فإن كان المراد أنه بحيث يعتبروا به من عامله ونظر فيه فيكون المراد به جميع أولي الألباب والحقيقة ثابتة لهم لكنهم لم يحصل لجميعهم الاعتبار بالفعل وأشار الفخر إلى هذا.
قوله تعالى : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ).
هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم مثل :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
الزمخشري : (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي الذي قبله من الكتب السماوية ، وقال ابن عطية : في قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [سورة الأنعام : ٩٢] يحتمل أنه يراد بما بين يديه المستقبل باعتبار يوم القيامة.