إن قلت : لم أمر الطائفة الثانية بأخذ الحذر والأسلحة ، وأمر الطائفة الأولى بأخذ الأسلحة فقط؟ لأن الطائفة الأولى تنصرف إلى الصلاة والعدو غافل عنها غير عالم بإشغالها عنه ، فأمروا بأخذ السلاح فقط لكن يلتزمو الخشوع المأمور به في كل صلاة إذ لا يصح تركه إلا لمعارض ولا معارض ، والطائفة الثانية ما تصلي حتى يكون العدو عرف أنهم اشتغلوا عنه بالصلاة فأمروا بأخذ الحذر مع الأسلحة ، ابن عرفة فإن قلت : الأمر بأخذ الحذر يستلزم الأمر بأخذ الأسلحة فهلا استغنى عنه به ، فلم قال : (وَأَسْلِحَتَهُمْ) ، فالجواب : إن جهاد العدو يستلزم ويستدعي أمرين كف أذاه لئلا يغلب وقتاله ليغلب فأمروا بأخذ الحذر على أنفسهم ، فكف إذايته خوف أن يتغفلهم فيغلبهم ، ثم بأن يشتغلوا به ويتسلحون له لكي يغلبوه فهما مقدمتان نتيجتهما واحدة وهي النصر على العدو بأن يتصدوا عليهم به وامتناعهم منه ، فلا يغلبهم.
قال الزمخشري : في أخذ الحذر معنوي ، وأخذ الأسلحة حسي فكيف صح إطلاق الأخذ عليهما معا واقترانهما فيه ، ثم أجاب بأنه لازم له قال : جعل الحذر آلة يستعملها الغازي فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة وجعلا مأخوذين ونحوه ، قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [سورة الحشر : ٩] ، وهذه الآية ليست من ذلك القبيل ؛ لأن أخذ الحذر مجاز ، وأخذ الأسلحة حقيقة فإنما هي على حذف مضاف ، أي وليأخذوا حذرهم وليحملوا أسلحتهم مثل :
يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلدا سيفا ورمحا |
أي : وحاملا رمحا ، وأجاب ابن عرفة بأن استعماله في حقيقته ومجازه أمر ضروري لا بد منه ؛ لأن كل واحد مأمور في الجهاد بأخذ الحذر وحمل السلاح فمن ضرورياته الأمر أن يكف الأذى عن نفسه ، وأن يقاتل فالمجاز لازم له وقصاراه أن ابن المنير يلزمه الإضمار ونحن يلزمنا المجاز فتعارض المجاز والإضمار ، ومنها ثلاثة أقوال ثالثها قول رضاء الدين النيسابوري ، والفخر في المحصول : إنهما سواء ، وحكى ابن عطية : إن النقل اختلف عن أشهب في كيفية قضاء الركعة الثانية بكل خائفة ، هل يقضيها الطائفتان في زمن واحد بعد سلام الإمام وهو نقل ابن عبد البر ، وابن يونس عنه أو يقضيها بعضها الآخرة ثم ينصرف ، ثم ثاني الأول فيقضيها؟ وهو نقل اللخمي عنه ابن عرفة : الأول مواطن لحديث الموطأ ، والثاني لحديث جابر ويحتمل الجمع بينهما ، بأن الأول إذا كان العدو في قبلتهم ، والثاني إذا لم يكن في قبلتهم ، ابن عرفة :
وفي الأمر بأخذ الحذر إشعار بالعلة التي لأجلها شرعت صلاة الخوف ، قيل له : قد