أشد من المعصية القاصرة ، وأجاب ابن عرفة بأن العطف أفاد التسوية في الاستغفار بين جمع معصيته مع ما انفرد بالمعصية الخاصة به القاصرة عليه ، وإن الله غفور رحيم لهما معا والعطف بثم إما للتراخي حقيقة فإن كانت التوبة من الذنب على الفور ، قلنا : ذلك في الأمر بها لا في الإخبار عنها ، فأفاد الخبر أنها مقبولة ولو تراخت على فعل المعصية أو ليكون لبعد من له المعصية ممن له الاستغفار.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ).
الكسب هنا هو نفس فعل المعصية بالإخبار ، والكسب عند أهل أصول الدين في تفسيره اضطراب ، فإن قلت : هذا مصادم لحديث" من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ، قلنا : عوقب الأول بإحداثه المعصية وإنما عوقب بفعله.
قوله تعالى : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).
وصف الإثم بالمبين ، ولم يصف به البهتان ؛ لأن البهتان كله مبين بخلاف الإثم.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ).
الفضل راجع لصفة الإرادة ، والرحمة لصفة الفعل ويحتمل أن يكونا بمعنى واحد.
قوله تعالى : (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
ابن عطية : هذا يدل على أن اللفظ عام في غير أهل النازلة ، وإلا فأهل التعصب لمن أعرق صدق مع همهم بذلك وثبت فالمعنى : ولو لا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله همه كما يقول هؤلاء ، ابن عرفة : وتقدم لنا فيها معنى آخر وهو أن المراد : لهمت طائفة بإضلالك الهم الصادق الرافع معلقة وهؤلاء إنما هموا هما غير صادق إذ لا يتم لهم غرض ، قلت : قال تعالى : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا) [سورة التوبة : ٧٤] قال : والإضلال على قسمين : فالضلال في الظاهر كمن يأتي للقاضي ببينة يعلم إنها زور ويهدي له هدية فيقبل منهم شهادتهم ويحكم لهم ، والإضلال في الباطن كمن يأتي ببينة هم في الظاهر ويزوروا كلاما ويفعل ما يريهم أنه على الحق فيحكم له القاضي بذلك ظانا أنه على الحق وهو على الباطل ، فأما الأول فلا يدخل في هذه الآية وإنما المراد : ولو لا عصمة الله لك لأضلك بعض الناس بتزويرهم الأمور وإتيانهم بها على صورة الحق فتحكم لهم بها وهي على الباطل لحديث : " إنما أمرت أن أحكم بالظاهر