يذنب قط إلى أن مات يخلد في الجنة بإجماع ، ومذنب مات تائب فأهل السنة وجمهور الفقهاء ألحقوه بالمؤمن ، ومذنب مات قبل توبته ، فقال أهل السنة : إنه في المشيئة ، وقالت المرجئة : إنه في الجنة ، وقالت المعتزلة : إن كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو مخلد في النار ، قال أبو جعفر بن الزبير : قصد الأول بقوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) [سورة النساء : ٤٨] لأن حملها بين (الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [سورة المائدة : ١٣] وهو كذب وافتراء ، فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) والافتراء من أخص صفاتهم مع الشرك ، وعقب الثانية بقوله تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) لأن قبلها (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) وقبلها : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) [سورة المائدة : ٤٨] ، ثم قال : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) [سورة النساء : ١٠٧] فتضمنت ذكر منافقي زمنه وما صدر عنهم من غير الكذب والافتراء فناسب تعقبها بالضلال البعيد.
قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً).
لما تقدمها (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَ) توهم أن له في ذلك الضلال شبهة ، فأفادت هذه الآية أنه لا شبهة له يستند إليها نفي لدعواهم إناثا ، ابن عرفة : وفي الآية سؤال وهو إن المحصور فيه ثانيا إن كان المحصور أولا؟ لزم التكرار عن قرب وإن كان غيره لزم ، إما إبطال الحصر من أول إبطال أحدهما ، وإلا باطل ، وأجيب بوجوه :
الأول : أنا نختار أنه غيره ، لكن الدعاء ثانية شفقة ، والأول : راجح المسبب على الدعاء.
الثاني : أن الضمير في يدعون الأشخاص أمر غير الأولين.
الثالث : أن الأول باعتبار ظاهر حاله ومادتي أمرهم.
والرابع : باعتبار ظنه وما به وعاقبته.
قال ابن عرفة : هذا كله مجاز ، وإنما عادتهم أن المحمول يمكن تعدده وانفراد الموضوع بقول : ما رأيت إلا عالما ، وما رأيت إلا قريبا فيصح تعدده كقولك : زيد قرشي عالمي وكذلك هكذا يقول : يدعوهم إناث وشيطان ومريد ، فالموضوع بمفرد والمحمول متعدد والمحصول فيه محمول لا موضوع.
قوله تعالى : (شَيْطاناً مَرِيداً).
ابن عطية : قال الجمهور : هو إبليس عليه اللعنة ، وهو الصواب وقالت فرقة : هو الشيطان بكل صنف.