قوله تعالى : (لِلْكافِرِينَ) بأن الكافرين فاعل في المعنى ، وشبه مفعول أعطى والفاعل هو المقدم في الرتبة مقدم في اللفظ ، وهذا إذا كان باعتبار الفعل والوجود فيكون في الآخر فقط ، وإلا فقد استولوا على المؤمنين في الدنيا في غزوة أحد وغيرها ، وإن كان باعتبار الحكم الشرعي فهو في الدنيا والآخرة.
قيل لابن عرفة : قد قال أشهب : إن الكافر إذا ملك المؤمن عتق عليه ، ويكون ولاؤه له ، أفترى له عليه سبيل عند أشهب؟.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ).
قال ابن عرفة : التأكيد بأن إنما يصح إذا كان المخاطب منكرا وطرأت عليه مخايل الإنكار ، والتأكيد هنا مصروف إلى ظنهم أن خداعهم مؤثر ونافع لهم ، وقوله (يُخادِعُونَ) على حذف مضاف تقديره : يخادعون رسل الله ويخادعون أولياء الله ، فإن أريد فالتشريف من جهة واحدة وهو التعبير باسم الله عن اسم رسول الله ، وإن أريد الثاني فالتشريف من جهتين ؛ لأنه تشريف لأولياء الله والتشريف لأوليائه تشريف لرسوله من باب أحرى.
ابن عرفة : والمنافقون إن كانوا معلومين للمؤمنين كانت الآية تقبيحا لفعلهم وتحذيرا منه ، وإن كانوا مجهولين فهي تقبيح لفعلهم فقط ، ابن عطية : ومخادعتهم لأولياء الله فيظنونهم غير أولياء ، أو لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله تعالى ، فرده ابن عرفة بما روى مسلم في صحيحه في كتاب ذكر المنافقين عن مجاهد عن ابن عمر عن ابن مسعود ، قال" اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي ، أو ثقفيان وقرشي قليل فقه قلوبهم كثير شحم بطونهم ، فقال أحدهم : أترون الله يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله تعالى (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ) [سورة فصلت : ٢٢] " الآية قال ابن عرفة : وجرى بين شيخنا الفقيه أبي عبد الله محمد بن سليمان بن علي ، وابن الصباغ في القضية اختلاف : هل المنافقون مخاطبون بفروع الشريعة أو لا؟ ووقع بينهما في ذلك تنازع كثير منهم السلطان ابن الحسن ، والتحقيق أن الخلاف في خطاب الكفار بالفروع إن كان باعتبار الباطن كما يقول الأصوليون من أنه راجع إلى تضعيف العذاب في الآخرة ففيه نظر ، قلت : لا نظر فيه لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).
قوله تعالى : (يُراؤُنَ النَّاسَ).