من قبل خلق آدم فالمحذوف هو «الإنسان .. خلق آدم» ولهذا بني «قبل» على الضم بعد انقطاعه عن الإضافة. والجان : هو جنس الجنّ وقيل هو أبو الجن : إبليس. و «السموم» بفتح السين هي الريح الحارّة بالنهار ومثلها : ريح الحرور ـ بفتح الحاء. قال الفراء : تكون ليلا ونهارا وقال رؤبة : إنّ «الحرور» بالنهار و «السموم» بالليل وقيل : الحرور والسموم : بالليل والنهار. أمّا «السموم» بضم السين : فهي جمع «السم» وهو ما يقتل : ويلفظ بفتح السين على الأكثر وضم السين فيه لغة لأهل العالية وبكسر السين لغة لبني تميم. يقال : سمّ الرجل الطعام ـ يسمّه ـ سما : بمعنى : وضع فيه أو جعل فيه السمّ. والفعل من باب «قتل».
** (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) : هذا القول الكريم ذكر في الآية الكريمة التاسعة والعشرين. والروح : شيء نورانيّ عجيب من خلق الله تعالى. أضاف سبحانه الروح إلى نفسه إضافة خلق إلى خالق وهو تشريف لآدم.
** (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) : هذا القول الكريم هو نصّ الآية الكريمة الثلاثين وفيه ذكّر الفعل «سجد» مع فاعله «الملائكة» وعاد الضمير «هم» والتوكيد «أجمعون» على الملائكة وذلك مراعاة لمعنى «الملائكة .. جمع ملك» وهو لفظة مذكّرة وليس على لفظها الذي جاء في مواضع أخرى بصيغة التأنيث مراعاة للفظها لا معناها.
** (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ) : هذا القول جاء في الآية الكريمة الثالثة والثلاثين .. والمراد ببشر هنا : آدم عليهالسلام .. وجاء بصيغة الأفراد ـ في عود الضمير الهاء في «خلقته» عليه .. لأن العرب ثنّت اللفظة ولم تجمعها. وفي التنزيل قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا. وأصل «البشر» هو جمع «البشرة» وهي ظاهر الجلد ثم أطلق على الإنسان ـ واحده وجمعه ـ ويقال : باشر الأمر : أي تولاه ببشرته وهي يده.
** (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. ورجيم ـ فعيل بمعنى مفعول ـ أي مرجوم. والمراد هنا : مطرود من الجنة يقال : رجمه ـ يرجمه ـ رجما : أي ضربه بالرجم ـ أي الحجارة ـ وهو من باب «قتل» وقولهم «رجما بالغيب» معناه : ظنا من غير دليل ولا برهان.
** (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) : هذا القول الكريم هو نصّ الآية الكريمة الخامسة والثلاثين .. واللعنة .. هي الإبعاد عن رحمة الله .. يقال : لعنه ـ يلعنه ـ لعنا أي طرده وأبعده .. وهو من باب «نفع» فهو لعين وملعون ـ اسم مفعول .. وفعيل بمعنى مفعول أيضا. والفاعل لاعن ولعّان وقال تعالى لإبليس في الآية الكريمة التالية : فإنّك من المنظرين : أي من الممهلين ـ اسم مفعول بعد أن تضرع إبليس لله ـ جلّت قدرته ـ حين قال سبحانه (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٣٦) وحرّك آخر «يوم» بالكسر لأنه أعقبه فعل مضارع ولو كان الفعل ماضيا لبني «يوم» على الفتح في محل جر .. والقولان «إلى يوم الدين» و «إلى يوم يبعثون» في معنى واحد .. ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة فإلى يوم يبعثون معناه : إلى يوم الدين. والقولان بمعنى : إلى يوم القيامة. وقال المصحف المفسّر : لا يصحّ أخذ هذا الكلام على ظاهره .. فإنّ الله تعالى لا يرى للملائكة ولا لإبليس .. ولا يستطيع كائنا من كان أن يجادله سبحانه .. وإنّما المراد أي أراد الله تصوير ما فعله الملائكة والشيطان حيال آدم وما جاش بصدورهم عنه فأتى بما رأيت وهو أبلغ ما يقال في هذا المقام.