وأمّا الجواب: فقد أُجيب عن هذا السؤال بعدّة أجوبة :
منها : إنّ شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد ،فمعاوية لم يكن يشكّل خطراً جدّياً على الإسلام بمقدار ما كان يشكّله يزيد ؛ لأنّ معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الإسلامية ، بينما كان يزيد مجاهراً بالفسق والفجور وشرب الخمور ، وقتل النفس المحترمة ، ولم يراع أيّ شيء من المظاهر الإسلامية ، وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكناً دون الصلح مع يزيد.
ومنها : إنّ الإمام الحسن عليهالسلام قام بالثورة ضدّ معاوية ، ولكن خانه أكثر قادته ، وباعوا ضمائرهم لمعاوية بإزاء أموال ومناصب ، حتّى إنّ بعض المقرّبين للإمام الحسن عليهالسلام كتب إلى معاوية رسائل سرّية قال فيها : إن شئت سلّمناك الحسن حيّاً ، وإن شئت سلمناه ميّتاً.
فاضطرّ عليهالسلام إلى الصلح وترك الحرب ؛ لوجود هؤلاء الخونة ، دون أخيه الحسين عليهالسلام الذي وجد أنصاراً وأعواناً.
ومنها : أراد الإمام الحسن عليهالسلام من صلحه أن يحفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه من الفناء ، إذ لو كان محارباً لانتصرت الأُموية انتصاراً باهراً ، وذلك بإنهاء الذرّية الطيّبة للنبيّ صلىاللهعليهوآله والثلّة الصالحة من أعوانهم.
ومنها : إنّ الإمام الحسن عليهالسلام استشار الجموع الملتفّة حوله في الظاهر ، والمتخاذلة عنه في السرّ بقوله : «ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه ، وحاكمناه إلى الله عزّ وجلّ بظبا السيوف ، وان أردتم الحياة قبلناه ، وأخذنا لكم الرضا».
فناداه القوم من كلّ جانب : البقية ، البقية (١).
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٦٨ ، أُسد الغابة ٢ / ١٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٦٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٨٧.