الذنوب ، فجعل الله ذلك اليوم عيداً لذرّيته.
فأفعال الحجّ كلّها احتفالات وأعياد بذكرى الأنبياء ومَن ينتسب إليهم ، وهي باقية أبد الدهر.
وأخيراً : أكمل الأدلّة على جواز إقامة الاحتفال بمولد النبيّ صلىاللهعليهوآله هو دليل الفطرة ، والدين والشرع منسجمان تماماً مع مقتضيات الفطرة ومتطلّباتها ، فقد اعتاد الناس انطلاقاً من احترامهم للمُثل والقيم التي يؤمنون بها ، على احترام الأشخاص الذين بشرّوا بها ، وضحّوا في سبيلها ، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك.
ورأوا أنّ إحياء الذكرى لهؤلاء الأشخاص ، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص ، وإنّما من أجل أنّهم بذلك يحيون تلك القيم والمُثل في نفوسهم ، وتشدّ الذكرى من قوّة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها ، وترسّخها في نفوسهم ، وتعيدهم إلى واقعهم.
وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصّون به بعض الأيّام ، أو بعض الأماكن ، وقديماً قيل :
مررت على الديار ديار ليلى |
|
أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا |
وما حبُّ الديار شغفن قلبي |
|
ولكن حبّ مَن سكن الديارا |
يلاحظ : أنّ الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات التي تمثّل تحوّلاً من نوعٍ ما في حياة الناس عامّة ، لا يقتصر على فئة دون فئة ، ولا يختصّ بفريق دون فريق ، فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والملك والسوقة ، والعالم والجاهل ، والمؤمن والكافر وغيرهم ، الكلّ يشارك في إقامة الذكريات للمُثل والقيم ، ومَن يمثّلها حسب قدراته وإمكاناته.
فهذه الشمولية تعطينا : إنّ هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية ، تنبع من داخل الإنسان ، ومن ذاته ، وتتّصل بفطرته وسجيّته ، حينما يشعر أنّه بحاجة إلى أن يعيش مع ذكرياته وآماله ، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسّد له طموحاته.