الطريقين كالجبل ، فسلك موسى ، وأخذ كلّ سبط من بني إسرائيل طريقا من هذه الطّرق.
فلما أشرف فرعون وقومه على البحر فرأوه منفلقا فيه طرق يابسة ، أوهم قومه أنّ البحر إنّما انفلق من هيبته! فدخل فرعون خلف بني إسرائيل ، فصاحت الملائكة في القوم : أن الحقوا الملك حتى إذا دخل آخرهم ، وهمّ أوّلهم بالخروج أن يخرج ، أطبق الله تعالى البحر عليهم فغرقوا.
وقال وهب : (استعار بنو إسرائيل حليّا كثيرا من القبط ، ثم خرج بهم موسى من أوّل الليل ، وكانوا سبعين ألفا ، فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقصّ أثر بني إسرائيل.
فلما رأى قوم موسى رهج الخيل ـ أي غبارها ـ قالوا : إنا لمدركون ، قال موسى : كلّا ، إنّ معي ربي سيهدين ، فلما قربوا قالوا : يا موسى أين تمضي البحر أمامنا وفرعون خلفنا؟!
فضرب البحر بعصاه فانفلق وصار فيه اثنا عشر طريقا يابسة ، لكلّ سبط طريق ، وصار بين كلّ طريقين كالطّود العظيم من الماء ، وكانوا يمرّون في الطريق ولا يرى بعضهم بعضا ، فاستوحشوا وخافوا ، فجعل الله الأطواد شبكات يرى بعضهم بعضا ، ويسمع بعضهم كلام بعض.
فلما أتى فرعون الساحل ورأى بني اسرائيل قد عدوا البحر ، جاء جبريل على رمكة (١) طالبة للذكر ، وكان فرعون على حصان ، فأدخل الرّمكة في الماء فلم يتمالك حصان فرعون أن اقتحم على إثرها ، ودخل القبط عن آخرهم ، فلما ولجوا كلّهم أوحى الله تعالى إلى البحر : أن أغرقهم عن آخرهم ، فعلاهم الماء فغرقوا).
قال كعب : (فعرف السّامريّ فرس جبريل ، فحمل من أثره ترابا ، وألقاه في العجل حين اتّخذوه).
__________________
(١) الرّمكة : بفتحتين ، الأنثى من البراذين ، وجمعها رماك ورمكات ، وأرماك.