بمعنى (كأنّ) من قوله (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) أي كأنّك قاتل نفسك إن لم يؤمنوا. وقيل : معناه : تتّخذون ذلك رجاء أن تخلدوا وأنتم لا تخلدون.
قوله تعالى : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (١٣٠) ؛ أي إذا بطشتم بمن دونكم بطشتم متكبرين ومتجبرين ، ضربا بالسّوط وبالسّيف ، تقتلون على الغضب. والمعنى : إذا عاقبتم قتلتم. والبطش : هو الأخذ بالشّدّة ، والجبّار : هو العالي بالقدرة ، يقال : نخلة جبّارة إذا كانت مرتفعة لا تنالها الأيدي ، وهي صفة مدح الله تعالى ؛ لأن هذا المعنى حقيقة فيه ، وهو صفة ذمّ لغيره لأنه كذب فيه.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (١٣١) ؛ أي اتّقوا عذاب الله بإصراركم على ما أنتم عليه ، (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) (١٣٢) ؛ من النّعمة والخير ، (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (١٣٤) ؛ فيه بيان بعض النّعم ، قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣٥) ؛ أي إنّي أعلم أنه سينزل بكم عذاب عظيم إن لم تؤمنوا ، يريد به العذاب الذي أهلكوا به.
وقوله تعالى : (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) (١٣٦) ؛ أي سواء علينا أو عظتنا أم لم تعظنا فلا نترك هذه العبادة ، قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١٣٧) ؛ أي ما هذا الذي تقول يا هود إلّا كذب الأوّلين ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد (١). والخلق والاختلاق هو الكذب. ومنه قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٢).
قرئ (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بضمّ الخاء واللام ؛ أي عادة الأوّلين ، والمعنى : ما هذا الذي نحن فيه إلّا عادة الأوّلين من قبلنا يعبثون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١٣٨) ؛ على ما نفعل.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٠٣٠٣).
(٢) العنكبوت / ١٧.