تواضع ، وألن جناحك للمؤمنين ؛ لكي يتّبعك الناس على دينك ، ولا ينفروا من عندك.
قوله تعالى : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (٨٩) ؛ أي المعلّم بموضع المخافة ، المبين لكم بلغة تصدّقونها. قوله تعالى : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) ؛ قال الحسن : (معناه : وأنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا على المقتسمين وهم اليهود والنّصارى) (١). سمّاهم مقتسمين ؛ لأنّهم اقتسموا كتب الله تعالى ، فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها ، وهم ، (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) ؛ أي فرّقوه فآمنوا ببعضه وهو ما وافق دينهم ، وكفروا ببعضه وهو ما خالف دينهم ،
وقال بعضهم : رهط من أهل مكّة ، قال مقاتل : (ستّة عشر رجلا بعثهم الوليد ابن المغيرة أيّام الموسم ، فاقتسموا الأعقاب (٢) ، وقعدوا على طريقها ، فإذا جاء الحجّاج قال فريق منهم : لا تغترّوا بهذا الخارج منّا المدّعي النّبوّة فإنّه مجنون ، وقالت طائفة أخرى على طريق أخرى : إنّه كاهن ، وقالت طائفة أخرى : شاعر ، والوليد قاعد على باب المسجد نصّبوه حكما ، فإذا سئل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : صدق أولئك يعني المقتسمين) (٣).
قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) هم هؤلاء المقتسمين جزّءوا القرآن ، فقال بعضهم : سحر ، وقال بعضهم : كذب ، وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم : أساطير الأوّلين ، وقال بعضهم : مفترى. ومعنى التّعضية : التفريق ، يقال : عضيت الشيء إذا فرّقته. قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) ؛ أي في الآخرة ، (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) ؛ من تفريق القرآن ، وصرفهم الناس عن دين محمّد صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : سورة الحجر : الحديث (٤٧٠٥ و ٤٧٠٦) عن ابن عباس قال : (آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، اليهود والنّصارى).
(٢) الأعقاب : ما بعد مكة من الطرق يفد منها الناس.
(٣) تفسير مقاتل : ج ٢ ص ٢١١ ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٥٨.