يقال : إنّ هذه الخمسة الأشياء التي ذكرها الله في هذه الآية هي مفاتيح الغيب لا يعلمها إلّا الله ، استأثر الله بهنّ ، فلم يطلع عليهنّ ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا.
ومعنى الآية : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ) قيام (السَّاعَةِ) ، فلا يدري أحد سواه متى تقوم ، في أيّ سنة أو في أيّ شهر ، ليلا أو نهارا. وقوله (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) معناه : هو المختصّ بإنزال الغيث ، وهو العالم بوقت إنزاله ، (ويعلم ما في الأرض) أي لا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى ، أحمر أم أسود ، وإنّما يعلمه الله عزوجل نطفة وعلقة ومضغة ، وذكرا أم أنثى ، وشقيّا وسعيدا ، ومتى ينفصل عن أمّه.
وقوله تعالى (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) يعني : ماذا تكسب من الخير والشرّ ، أي ما تدري نفس ماذا تكسب غدا خيرا أو شرّا ، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي في برّ أو بحر أو سهل أو جبل. قال ابن عبّاس : (هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل مصطفى ، فمن ادّعى أنّه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن لأنّه خالفه) (١).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤) ؛ أي عليم بخلقه ، خبير بأعمالهم وبما يصيبهم في مستقبل عمرهم.
وروي أن يهوديا كان في المدينة يحسب حساب النجوم ، فقال اليهوديّ لابن عباس : إن شئت أنبأتك عن ولدك وعن نفسك ، إنك ترجع الى منزلك فتلقى إبنا لك محموما ، ولا يمكث عشرة أيام حتى يموت الولد ، وأنت لا تخرج من الدنيا حتى تعمى ، فقال ابن عباس : وأنت يا يهودي ، قال : لا يحول عليّ الحول حتى أموت؟ قال : فأين
__________________
ـ ولم أقف على رواية المصنف رحمهالله كما ذكرها هنا. وذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٤ ص ٨٣ : (الرجل اسمه : الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب) ، قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٢٥.
ولعل في المخطوط تصحيف من الناسخ ، ولكن لا أستطيع الجزم ؛ لأن الخط واضح برسم اسم البراء بن مالك. لأن البراء رضي الله عنه ليس من البادية ، فهو البراء بن مالك بن النضر الأنصاري ، أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه. مما يرجح أن هناك وهم أو تصحيف. والله أعلم.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٧٥٦٦) عن قتادة رضي الله عنه.