قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ؛) أي اتّقوا مخافة ربكم ، واخشوا عذاب يوم لا يغني والد عن ولده ، (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ؛) لاشتغال كلّ منهم لنفسه.
وقيل : معنى (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يحمل شيئا من سيّئاته ولا يعطيه شيئا من طاعته ، (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ؛) في البعث والجزاء أي صدق كائن ، (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ؛) فلا تغترّوا بالحياة الدّنيا وما فيها من زينتها وزهرتها ، (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٣٣) ؛ الشّيطان ، فإنه هو الغرور ، وهو الذي من يشاء أن يغرّ ، وغرور الشّيطان تمنيته العبد : فإنّ الله تعالى غفور ، فهوّن عليه ركوب المعاصي وما يهواه.
ومن قرأ (الغرور) بضمّ الغين فهي مصدر ، ومعناه : الأباطيل. وعن سعيد بن جبير : (إنّ الغرور تمنّي المغفرة مع الإصرار على المعصية) (١).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ؛) نزلت هذه الآية في البراء بن مالك ، أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ أرضنا أجدبت ، فمتى الغيث؟ وقد تركت امرأتي حبلى ، فماذا تلد؟ وقد علمت بأيّ أرض ولدت ـ أي علمت أين ولدت ـ فبأيّ أرض أموت ، وقد علمت ما عملت اليوم ، فما أعمل غدا؟ ومتى السّاعة؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقال صلىاللهعليهوسلم : [مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهنّ إلّا الله ، لا يعلم متى تقوم السّاعة إلّا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلّا الله ، ولا يعلم ما كسبه في غد إلّا الله ، ولا تعلم نفس بأيّ أرض تموت إلّا الله ، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلّا الله](٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٤٦٤).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٤٦٥) عن مجاهد مرسلا بلفظ قريب من هذا. والبخاري في الصحيح : في كتاب التفسير عن ابن عمر رضي الله عنهما. والإمام الطبراني في المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٥٤٦ : الحديث (١٩٣٨) عن ابن عمر بلفظ قريب منه. ـ