قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ؛) قال الحسن : «أراد به مشيئة القدر من الله تعالى ؛ لأنّه لم يعجز عن شيء ، ولكنّه لا يجبر العباد على ذلك لكي لا يبطل الثّواب والعقاب». والمعنى : ولو شئنا لآتينا كلّ نفس رشدها وثباتها ، ومثل ذلك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)(١)(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى)(٢).
وقوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ؛) معناه : ولكن وجب قولي عليهم بالعذاب ، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٣) ؛ بكفرهم وذنوبهم.
وقوله تعالى : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ؛) معناه : يقال لأهل النار إذا دخلوها : ذوقوا العذاب بما نسيتم لقاء يومكم هذا ؛ أي بما تركتم الإيمان بيومكم هذا. وقوله تعالى : (إِنَّا نَسِيناكُمْ ؛) أي تركناكم في العذاب وأحللناكم محلّ المنسيّ ، (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ ؛) أي الذي لا ينقطع ، (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٤) ؛ من الكفر والتكذيب.
قوله تعالى : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا ؛) معناه : إنما يقرّ ويصدّق بدلائلنا ، (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها ؛) أي وعظوا بها ، (خَرُّوا سُجَّداً ؛) لله مصلّين مع الإمام ، (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ؛) أي عظّموا الله ونزّهوه في صلاتهم حامدين لربهم ، (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١٥) ؛ أي يعفّروا وجوههم صاغرين.
قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ؛) أي ترفع لأجل الصلاة ، قال مجاهد : «هم الّذين لا ينامون حتّى يصلّوا العشاء الآخرة». والمضاجع : هي الفرش التي يضطجعون عليها للنوم ، واحدها مضجع.
وعن أنس رضي الله عنه قال : «نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، حتّى كنّا نصلّي المغرب فلا نرجع حتّى نصلّي العشاء مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٣). وروي : أنّ امرأة
__________________
(١) يونس / ٩٩.
(٢) الأنعام / ٣٥.
(٣) ذكره الواحدي في أسباب النزول : ص ٢٣٥. وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث ـ