ثم سار إلى أرض اليمن فوافى صنعاء اليمن وقت الزّوال ، فأحبّ النّزول ليصلّي ويتغدّى ، فطلبوا الماء فلم يجدوه ، وكان الهدهد دليله على الماء ، فلما نزل سليمان قال الهدهد : إنّ سليمان قد اشتغل بالنّزول ، فارتفع الهدهد إلى جهة السّماء ، فنظر يمينا وشمالا فرأى خضرة بساتين مأرب في أرض بلقيس ، فمال إلى جهة الخضرة ، فالتقى بهدهد من هدهد سبأ ، فقال له : من أين أقبلت وأين تريد؟ قال : أقبلت من الشّام مع نبيّ الله سليمان عليهالسلام ، قال له : ومن سليمان؟ قال : ملك الإنس والجنّ والشياطين والوحوش والطّيور. ثمّ قال له هدهد سليمان : وأنت من أين أقبلت؟ قال : من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس ؛ ملكت اليمن كلّها وتحتها اثنا عشر ألف قائد ، مع كلّ قائد مائة ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي ننظر إلى ملكها؟ قال : أخاف أن يفقدني سليمان في وقت الصّلاة إذا احتاج إلى الماء ، فقال له هدهد بلقيس : إنّ صاحبكم يسرّه أن تأتيه بخبر هذه الملكة. فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وما رجع إلّا وقت العصر.
قال : فلما نزل سليمان ودخل عليه وقت الصّلاة ، طلب الهدهد لأنه نزل غير ماء ، فسأل الإنس عن الماء فقالوا : ما نعلم هنا ماء ، فسأل الجنّ والشياطين فلم يعلموا ، ففقد الهدهد فلم يجده ، فدعا بعفريت الطير النّسر ، فسأله عن الهدهد ، فقال : ما أدري أين ذهب ، فغضب سليمان عند ذلك ، وقال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجّة.
ثم دعا بالعقاب وقال له : عليّ بالهدهد الساعة ، فرفع العقاب نفسه حتى التزق بالهواء وارتفع حتى نظر إلى الدّنيا كالقصعة في يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا ، فإذا هو بالهدهد مقبل من نحو اليمن ، فانقضّ العقاب نحوه يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء ، فناشده الله تعالى ، فقال له : بحقّ الذي قوّاك وأقدرك عليّ إلّا رحمتني ولا تتعرض لي بسوء ، فولّى العقاب عنه وهو يقول له : ثكلتك أمّك! إنّ نبي الله قد حلف ليعذّبنّك أو ليذبحنّك ، ثم طارا متوجّهين نحو سليمان.
فلما وصل إليه قال له العقاب : قد جئتك يا نبيّ الله ، فلما قرّب إليه الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرّهما على الأرض تواضعا لسليمان ، فلما دنا