ومعناها : يا أيّها النبيّ اتّق الله في نقض العهد الذي بينك وبين أهل مكّة لا تنقضه قبل أجله (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) فيما دعوك إليه ، ولا تمل إليهم ، ولا ترفق بهم ظنّا منك أن ذلك أقرب إلى استمالتهم إلى الإيمان ، فإن ذلك يؤدّي إلى أن يظنّ بك مقارنة القوم على كفرهم ، فمعنى قوله (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) يعني أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة ، والمنافقين عبد الله بن أبي وجدّ بن قيس وغيرهما.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١) ؛ أي عليما بأحوالهم ، حكيما فيما أوجبه عليك في أمرهم وفيما يخلقه.
قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ؛) أي اعمل بما أمرك الله في القرآن من مجانبة الكفّار والمنافقين وترك موافقتهم ، (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٢) ؛ قرأ بالياء أبو عمرو ، وقرأ الباقون بالتّاء أي خبير بك وبهم.
قوله تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ؛) أي فوّض أمرك إلى الله واعتمد عليه في معاملتهم بما أمرت به في شأنهم ، (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) ؛ أي حافظا وناصرا.
قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ؛) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : (نزلت هذه الآية في أبي معمّر جميل بن أبي راشد الفهريّ ، وكان رجلا حافظا لبيبا لما يسمع ، وكان يقول : إنّ في جوفي لقلبين ، أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد! وكانت قريش تسمّيه ذا القلبين لدهائه وكثرة حفظه للحديث ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية تكذيبا لهم ، فأخبر أنّه ما خلق لأحد قلبين.
فلمّا كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمّر ، تلقّاه أبو سفيان وهو يعدو وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله ، فقال له : يا أبا معمّر ما فعل النّاس؟ قال : انهزموا. فقال له : ما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟! فقال :
__________________
ـ قال القرطبي : (وقيل : إنها نزلت فيما قال الواحدي والقشيري والثعلبي والماوردي وغيرهم). وذكره مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٢.