قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ؛) أي كأمّهاتهم في تعظيم حقّهنّ وفي تحريم نكاحهن ، فلا يحلّ لأحد أن يتزوّج بهنّ ، كما لا يجوز التزويج بالأمّ. ولم يرد إثبات الأميّة من جميع الوجوه ، ألا ترى أنه لا تحلّ رؤيتهن ولا يرين المؤمنين بخلاف الأمّهات ، وكذلك لا يخلو بهنّ ، ولا يسافر بهن ، ولا يرثهن ولا يرثونه ، ولو كن كالأمّهات من جميع الوجوه لكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يزوّج بناته من أحد من الناس ؛ لأن البنات يكنّ أخوات المؤمنين.
ومن هذا المعنى ما روي : أنّ امرأة قالت لعائشة : يا أمّ ، قالت : (لست لك بأمّ ، إنّما أنا أمّ رجالكم) (١) فبان بهذا أنّ معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط. ولهذا لا يجوز أن يقال لبناتهن أنّهن أخوات المؤمنين.
وفائدة تحريم نكاح أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم على المؤمنين في حياته وبعد وفاته تعظيم أمره وتفخيم شأنه ، ولذلك حرم على الابن نكاح امرأة أبيه.
قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ؛) أي وذو القرابة بعضهم أحقّ بميراث بعض في حكم الله ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ؛) إذا لم يكونوا قرابة ، وذلك أنّهم كانوا يتوارثون في ابتداء الإسلام بالهجرة والموآخاة.
قال الكلبيّ : (آخا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين النّاس ، فكان يوآخي بين الرّجلين ، وإذا مات أحدهم ورثه الثّاني دون عصبته وأهله ، فمكثوا كذلك ما شاء الله حتّى نزلت الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) من المؤمنين الّذين آخا رسول الله بينهم والمهاجرين ، فنسخت هذه الآية الموارثة بالموآخاة والهجرة ، وصارت للأدنى فالأدنى من القرابات) (٢).
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٦ ص ٥٦٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن سعد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عائشة ...) وذكره.
(٢) نقله الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٦٠) بتفصيل عن ابن زيد.