(خالِصَةً لَكَ ؛) أي خاصّة لك ، (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ؛) فليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير شهود ولا وليّ ولا مهر إلّا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهذا من خصائصه في النّكاح ، كالتّخيير والعدد في النّساء.
ولو تزوّجها بلفظ الهبة وقبلها بشهود ومهر انعقد النكاح ولزم المهر ، وهذا مذهب أبي حنيفة. وقال الشافعيّ ومالك : (لا ينعقد النّكاح بلفظ الهبة إلّا للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصّة ؛ لأنّه تعالى قال (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) ولم يقل لك ، لأنّه لو قال : إن وهبت نفسها لك ، كان يجوز أن يتوهّم أنّه يجوز ذلك لغيره عليهالسلام كما جاز في قوله تعالى : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ) ، لأنّه قال تعالى (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
وحجّة أبي حنيفة وأصحابه : أنّ إضافة الهبة إلى المرأة دليلا أنّ النبيّ لم يكن مخصوصا بالنكاح بلفظة الهبة ، وإنّما كانت خصوصيّة في جواز النّكاح بغير بدل ، ولو لم يكن بلفظ الهبة نكاحا لما قال تعالى (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) ، فلمّا جعل الله الهبة جوابا للاستنكاح ، علم أنّ لفظ الهبة نكاح.
وقوله (خالِصَةً) نعت مصدر ؛ تقديره : إن وهبت نفسها هبة خالصة لك بغير عوض ، أحللنا لك ذلك من دون المؤمنين ، فأمّا المؤمنون إذا قبلوا هذه الهبة على وجه النّكاح لزمهم المهر.
ويقال : إن الخالصة نعت للمرأة ؛ أي جعلناها خالصة لك فلا تحلّ لغيرك من بعدك.
وقد اختلفوا في هذه المرأة التي وهبت نفسها للنّبيّ من هي؟ فقال قتادة : (هي ميمونة بنت الحارث) (١). وقال الشافعيّ : (زينب بنت خزيمة ، امرأة من الأنصار ، وكانت تسمّى أمّ المساكين) (٢). وقال الضحّاك ومقاتل : (هي أمّ شريك بن جابر من
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الثر (٢١٧٩١) عن قتادة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) ذكره الطبري في جامع البيان : مج ١٣ ج ٢٤ ص ٢٩ من غير أن ينسبه إلى أجد.