قوله تعالى : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) ، نزل في طلحة بن عبيد الله ، قال : (ينهانا محمّد صلىاللهعليهوسلم أن ندخل على بنات أعمامنا ـ يعني عائشة وهما من بني تيم بن مرّة ـ فلأن مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا حيّ لأتزوجنّ عائشة) (١). فحرّم الله أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم على عامّة الناس ، وجعلهنّ كأمّهاتهم في الإكرام والتحريم. وقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) (٥٣) ، أي إنّ الذي قلتم وتمنّيتم من تزويج أزواجه بعد موته كان عند الله عظيما في الوزر والعقوبة.
قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) ، أي إن تظهروا قولا أو تضمروه ، فإنّ الله عالم بالظواهر والبواطن والضمائر. وقيل : معناه إن تظهروا أشياء من أمرهنّ ، يعني طلحة ، قوله تعالى : (أَوْ تُخْفُوهُ) أي تسرّونه في أنفسكم ، وذلك أنّ نفسه حدّثته بتزويج عائشة. قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٥٤) ، أي عليم بكل شيء من السرّ والعلانية.
فلمّا نزلت آية الحجاب قال الأباء والأبناء والأقارب : يا رسول الله ونحن أيضا نكلّمهنّ من وراء حجاب؟ فأنزل الله :
قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ) ، الآية. أي لا حرج عليهن في إذن آبائهن بالدخول عليهن ، ولا في إذن الأبناء والإخوان وأبناء الإخوان وأبناء الأخوات.
فإن قيل : فهلّا ذكر الأعمام والأخوال؟ قيل : إنّ العمّ والخال يجريان مجرى الوالدين في الرّؤية ، وكان ذكر الأباء يتضمّن ثبات حكم الأعمام والأخوال. وقيل : إنما لم يذكر الأعمام والأخوال لكي لا يدخل أبناؤهما ، ولا يطمعا فيهن.
__________________
(١) ذكره مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٥٣. ونسبة هذا القول ل (طلحة بن عبيد الله) فيه نظر ، وكنى ابن عباس رضي الله عنهما ولم يصرح بالاسم ب (بعض الصحابة) ، وفي رواية القشيري أبو نصر عبد الرحمن : (قال رجل من سادات قريش). قال ابن عطية : (لله درّ ابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله) ، ينظر : الوجيز : ص ١٥٢١. ونقل القرطبي قال : (قال شيخنا الإمام أبو العباس : وقد حكى هذا القول عن بعض الفضلاء من الصحابة ، وحاشاهم عن مثله! والكذب في نقله ، وإنما يليق هذا القول بالمنافقين الجهال). الجامع لأحكام القرآن : ج ١٤ ص ٢٢٩.