تعالى : (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(١) فهذا يشهد للكثرة.
حدثنا محمّد بن الحسن العسقلاني ، قال : (سمعت محمّد بن السري يقول : رأيت في المنام كأنّي في مسجد عسقلان ، وكأنّ رجلا يناظرني ويقول : (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) وأنا أقول : (كثيرا). وإذا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم فدخل علينا المسجد ، وكان في وسط المسجد منارة لها باب ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقصدها.
فقلت : هذا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : السّلام عليك يا رسول الله استغفرلي. فأمسك عنّي ، فجئته عن يمينه فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فأعرض عني ، فقمت من تلقاء صدره ، حدّثنا سفيان بن عيينة عن محمّد بن المنكدر وعن جابر بن عبد الله : [أنّك ما سئلت شيئا قط فقلت لا] فتبسّم عليهالسلام وقال : [اللهم اغفر له]. فقلت : يا رسول الله إني وهذا نتكلّم في قوله تعالى : (والعنهم لعنا كثيرا) ، فأنا أقول : (كثيرا) وهذا يقول : (كَبِيراً) ، قال : فدخل النبيّ صلىاللهعليهوسلم المنارة وهو يقول : كثيرا ، كثيرا ، بالثاء إلى أن غاب عني صوته) (٢).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) ، أي لا تكونوا في أذى محمّد صلىاللهعليهوسلم كبني إسرائيل ، الذين آذوا موسى بعيب أضافوه إليه ، فبرّأه الله مما قالوا عليه ، (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (٦٩) ، أي رفيع القدر والمنزلة.
واختلفوا في العيب الذي أضافه بنوا إسرائيل إلى موسى ، قال بعضهم : كان هارون أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى لزيادة رفقه بهم ، فلما مات هارون في حال غيبتهما عنهم ، قالوا : إنّ موسى قتله لتخلص له النّبوة ، فأحياه الله تعالى حتى كذبهم.
وقال بعضهم : كان أذاهم له أنهم رموه بالأدرة لكثرة حيائه واستتاره عن الناس ، وكانت بنوا إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بعض ، وكان
__________________
(١) البقرة / ١٦١.
(٢) ذكر القصة أيضا بإسناده الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٨ ص ٦٥. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٣ ص ٢٥٠ مختصره.