قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٠) ؛ قرأ أهل الكوفة (صَدَّقَ) بالتشديد ؛ أي ظنّ فيهم ظنّا حيث قال : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(١)(وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)(٢) فصدّق ظنّه وحقّقه بفعله ذلك واتّباعهم إيّاه. وقرأ الآخرون (صدق) بالتخفيف ؛ أي صدق عليهم في ظنّه بهم.
وقوله تعالى (عَلَيْهِمْ) أي على أهل سبأ ، وقال مجاهد : على النّاس كلّهم إلّا من أطاع الله عزوجل (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهم الّذين قال الله تعالى فيهم (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ)(٣).
وقيل : إن إبليس لمّا وسوس إلى آدم وعملت فيه وسوسته ، طمع في ذرّيته ؛ فقال : إنّه مع فضله وعقله ، وعملت فيه وسوستي ؛ فكيف لا تعمل في ذرّيته؟ فأخبر الله في هذه الآية : أنّ القوم اتبعوه فصدّقوا ظنّه ، إلّا طائفة من المؤمنين لم يتّبعوه في شيء.
وقيل : إن إبليس لمّا سأل النّظرة فأنظره الله تعالى قال : لأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولأموّهنّهم (٤) ، ولم يكن في وقت هذه المقالة مستيقنا ، وإنّما قال ظنّا منه ، فلما اتّبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنّه فيهم.
وقوله تعالى : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ ؛) أي ما كان لإبليس عليهم من حجّة ولا نفاذ أمر إلّا بالتّزيين والوسوسة. وقوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ) ؛ أي ما كان تسليطنا إياه عليهم إلّا لنعلم المؤمنين من الشاكرين.
والمعنى : ما سلّطناه عليهم إلّا لنعلم إيمان المؤمن ظاهرا وكفر الكافر ظاهرا ، وقد يذكر العلم ويراد به الإظهار. وقوله تعالى : (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٢١) ؛ أي عالم بكلّ شيء من الإيمان وشكّ وغير ذلك.
__________________
(١) ص / ٨٢.
(٢) الأعراف / ١٧.
(٣) الاسراء / ٦٥.
(٤) ربما (وَلَآمُرَنَّهُمْ) رسم الكلمة في المخطوط قريب بين الكلمتين.