له بقيّة ، لا إقبال ولا إدبار ولا إبداء ولا إعادة كما قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ)(١). ويقال : فلان ظهرت عليه الحجّة ، فما يبدئ وما يعيد ، وما يحل وما يمرّ.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي ؛) وذلك أنّ كفار مكّة قالوا للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : لقد ضللت حين تركت دين آبائك! فقال الله تعالى (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي ضرر ذلك راجع إلى نفسي ، (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ ؛) إلى الحقّ ، (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ؛) من القرآن والبيان ، (إِنَّهُ سَمِيعٌ ؛) لكلّ ما يقوله الخلق من حقّ وباطل ، (قَرِيبٌ) (٥٠) ؛ منّي ، لا تخفى عليه خافية.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ؛) ولو ترى يا محمّد الكفّار ، يعني عند البعث ، فلا يمكنهم الغوث ولا الهرب من ما هو نازل بهم ، لرأيت ما يعتبر به غاية الاعتبار. ومعنى الآية : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) عند البعث فلا يفوتونني ؛ أي لا يفوتني أحد ولا ينجوا منّي ظالم.
وقوله تعالى : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٥١) ؛ يعني من القبور حيث كانوا ، فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه. تعني هذه الآية ؛ قال بعضهم : أراد بقوله (إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) مما أصابهم يوم بدر عند القتال. وقال بعضهم : أراد به يوم القيامة إذ فزعوا من مشاهدة عذاب جهنّم ، وعلموا أنّهم لا يفوتون لله ، وأخذوا بالعذاب من مكان قريب إلى جهنّم فقذفوا فيها.
(وَقالُوا) ، عند رؤية العذاب : (آمَنَّا بِهِ) ، أي آمنّا بالله تعالى وبرسوله ، يقول الله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٥٢) ؛ أي أين لهم تناول ما أرادوا بلوغه من مكان بعيد ، يعني من الآخرة وقد تركوه في الدّنيا؟ يعني أنّهم قد تعذر عليهم تناول الإيمان كما يتعذر على الإنسان تناول النّجوم.
__________________
ـ كتاب المظالم : باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر : الحديث (٢٤٧٨) ، وفي كتاب التفسير : الحديث (٤٧٢٠).
(١) الأنبياء / ١٨.