والتزق الحجر إلى يده ، فلمّا رجع إلى أصحابه خلّصوا الحجر ، فأخبرهم بأمر الحجر ، فقال رجل من بني مغيرة : أنا أقتله! وأخذ الحجر ودنا من النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فطمس الله على بصره فلم ير النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان يسمع قراءته).
فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٩) ؛ أي جعلنا من بين أيديهم غطاء وسدّا ومن خلفهم كذلك فأغشينا أبصارهم حتى لم يروا.
قال الفرّاء : (معنى أغشينا : ألبسنا أبصارهم غشوة أي عمى) (١) ، وعن ابن خثيم قال : (سمعت عكرمة يقرأ (فأعشيناهم) بالعين المهملة) (٢) ، وروي ذلك عن ابن عبّاس أيضا (٣) ، وقال الحسن : (هذا على طريق المثل) وذلك أنّ الله تعالى لمّا حال بينهم وبين من أرادوا من النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كانوا كمن غلّت يده إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطها إلى شيء وهو طافح رأسه لا يبصر موضع قدمه ، قد سدّ عليه طريقه في الذهاب والرّجوع.
قوله تعالى : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠) ؛ أي من أضلّه الله هذا الضلال لم ينفعه الإنذار ، (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ؛) معناه : إنما ينفع الإنذار من اتّبع القرآن ، (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ؛) أي وخاف من الله بحيث لا يراه ، (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ؛) لذنوبه ، (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (١١) ؛ وثواب حسن في الجنّة.
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٣ ص ٣٧٣.
(٢) ذكره الثعلبي عن عكرمة بإسناد آخر ، كما في الكشف والبيان : ج ٨ ص ١٢٢. وفي المخطوط : خضيمة) والصحيح هو ابن خثيم ، عبد الله بن خثيم القارئ المكي. ينظر : لسان الميزان : ج ٧ ص ٤٩٣ : الرقم (٥٧٤٧). وتهذيب التهذيب : ج ٤ ص ٣٩٣ : الرقم (٣٥٥٦).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان معلقا ، وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ١٠ ؛ قال القرطبي : وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر (فأعشيناهم) بالعين غير المعجمة من العشاء ، وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل.