قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا ؛) أي ما أسلفوا من الخير والشرّ ، وقوله تعالى : (وَآثارَهُمْ ؛) أي خطاهم ، فإنّ كلّ خطوة في الطاعة طاعة ، وكلّ خطوة في المعصية معصية. وقيل : معنى (وَآثارَهُمْ) أي ما استنّ به من بعدهم ، قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة](١).
قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢) ؛ أي وكلّ شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ. وقيل : أراد بالإمام المبين : الصحائف التي يكتبها الملائكة ، وسمي الإمام مبينا لأنه لا يندرس أثر مكتوبه.
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً ؛) أي مثل لأهل مكّة مثل ، (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ؛) يعني إنطاكيّة ؛ (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) (١٣) ، رسل الله تعالى ، (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (١٤).
وذلك أنّ عيسى عليهالسلام أرسل إلى أهل إنطاكيّة رسولين من الحواريّين ليدعوهم إلى عبادة الله تعالى. وإنّما أضيف الإرسال في الآية إلى الله تعالى لأنّ إرساله كان بأمر الله تعالى.
قوله تعالى : (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (١٩)
والقصّة : أنّ عيسى عليهالسلام لمّا بعث الرسولين إلى أنطاكيّة وقربا من المدينة ، وجدا شيخا كبيرا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجّار فسلّما عليه ، فقال لهما : من
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٢ ص ٣٣٠ : الحديث (٢٣٧٢ ـ ٢٣٧٥). والإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ٣٥٧ و٣٥٨ و٣٥٩. ومسلم في الصحيح : كتاب الزكاة : باب الحث على الصدقة : الحديث (٦٩ / ١٠١٧.