فقال القوم للرسل : إنا تطيّرنا بكم ، أي تشاءمنا منكم ، وقد كان حبس عنهم المطر ، فقالوا ما أصابنا هذا الشر إلّا من قبلكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) أي لئن لم تنتهوا من مقالتكم هذه لنقتلنّكم رجما وليمسّنكم منا عذاب ، يعنون القتل والضرب.
فقالت لهم الرسل : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي شؤمكم معكم وهو كفركم بالله تعالى. قوله تعالى : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) معناه لئن وعظتم بمواعظ الله تشاءمتم بنا بما لا يوجب التشاؤم ولكن أنتم قوم مسرفون ، متجاوزون عن الحدّ في الذنب والمعصية.
قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) يعني حبيبا النجّار (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أي من لا يسألكم أموالكم على ما جاءكم به من الهدى ، فقالوا له : أتّبعتهم أنت يا حبيب؟ قال : نعم (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة.
ثم أنكر عليهم اتخاذ الأصنام وعبادتها ، فقال : (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ، كما اتّخذتم ، (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) ، في جسدي أو في معيشتي ، (لا تُغْنِ عَنِّي) ، لا تنفع عنّي ، (شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) ، يعني لا شفاعة لها ، (وَلا يُنْقِذُونِ) (٢٣) ؛ أي ولا يخلّصون من ذلك المكروه ولا من عذاب الله ، قوله تعالى : (إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤) ، إن عبدت غير الله كنت إذا في الخاطئين ، (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (٢٥) ؛ مقالتي.
وقيل : إنّ قوله (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) خطاب المرسل ، قال لهم اسمعوا كلامي لتشهدوا لي به في الآخرة ، فلمّا قال هذا وثب عليه قومه وثبة رجل واحد فقتلوه ، قال ابن مسعود : (ووطؤه بأرجلهم حتّى خرجت أمعاؤه من دبره ، فأدخله الله الجنّة فهو حيّ فيها يرزق) (١) ، وذلك قوله تعالى : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ؛) فلما دخلها ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (٢٧) ؛
__________________
(١) ذكره الثعلبي أيضا في الكشف والبيان : ج ٨ ص ١٢٦ بلفظ : (حتى خرج قصبه ـ أي أمعاؤه ـ من دبره). والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٥ ص ١٩.