تمنّى أن يعلموا أنّ الله غفر له ليرغبوا في دين الرّسل ، والمعنى : يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي وإكرامه إيّاي بإدخاله لي الجنّة.
قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) (٢٨) ؛ وذلك أنّهم لمّا قتلوه وغضب الله عليهم وعجّل لهم العذاب ، ومعنى الآية : وما أنزلنا على قوم حبيب بإهلاكهم من جند من السّماء يعني الملائكة ؛ أي لم تنتصر منهم بجند من السّماء ، (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) ولا كنّا ننزّل ذلك بمن قبلهم من الأمم إذا أهلكناهم.
ثم بيّن الله تعالى كيف كانت عقوبتهم وعذابهم فقال تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (٢٩) ؛ أي ميّتون لا يتحرّك منهم أحد. قال المفسّرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة ، فتطايرت قلوبهم فإذا هم ميّتون ، ولم يسمع لهم حسّ ، كالنار إذا طفئت.
قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٠) ؛ قال مقاتل : (يا ندامة عليهم في الآخرة باستهزائهم بالرّسل في الدّنيا) (١). والحسرة : أن يركب الإنسان من شدّة اللّوم ما لا نهاية بعده حتى يبقى قلبه حسيرا ، والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النصب ، تقول : يا رجلا كريما أقبل (٢). ثم بيّن الله تعالى سبب الحسرة فقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١) ؛ معناه : ألم ير أهل مكّة كم أهلكنا قبلهم من الأمم الماضية فخافوا أن يعجّل لهم في الدّنيا مثل ما عجّل لغيرهم وهم يعلمون أنّهم لا يعادون إلى الدّنيا أبدا.
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٨٥.
(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء : ج ٢ ص ٣٧٥.